رسالة من السعودية
المملكة العربية السعودية هي الدولة التي يُسهل الكتابة عنها عن بعد، حينما تنظر إليها فقط كمصدر لأكثر اشكال الاسلام قسوةً و المضادة للتعددية. في حين أكثر اشكال السلام تطرفاً يحتضنها تنظيم الدولة الاسلامية أو ما يسمى بداعش. و ما يربكني حينما ازور المملكة هو حينما التقي بأناس اعجب بهم و ارى تحركات مضادة للتوجهات مثيرة للفضول.
اتيت هنا في الاسبوع الماضي لكي ابحث عن بعض التلميحات حول جذور الدولة الاسلامية و التي ضمت ١٠٠٠ شاب سعودي ضمن صفوفها. و لن اتظاهر بأني قمت باختراق المساجد التي تحتوي على الشباب الملتحين الذين لا يتحدثون الانجليزية و المنغمسين في الاسلام الوهابي/السلفي وهو المكان الذي تُجند فيه داعش هؤلاء الشبان. ولكن اعلم انه بالرغم من ان العلماء المتحفظين لا زالوا جزء من صفقة الحكم هنا، حيث اكثر حسابات تويتر شعبيةً هي الشخصيات الدينية الحماسية، و ذات هذه الشخصيات الدينية القيادية تعمل في النظام القضائي و يحكمون على كتاب المدونات الليبراليون بالجلد، حيث لا زالوا في حالة نكران حول مدى استياء العالم بأيدولوجيتهم التي قاموا بتصديرها.
و لكني ايضاً واجهت امر لم أكن اعرفه سابقاً: هناك امر مثير في هذا المجتمع، إذ ان المملكة العربية السعودية الحالية ليست ذات المملكة التي زامن حقبتها جدك.
حيث قال لي وزير الخارجية عادل الجبير (٥٢ عاماً): “في الحقيقة، هي لم تعد من بعد الان ذات المملكة التي زامنها والدي، و ولا تعد متزامنة مع جيلنا ايضاً”.
فعلى سبيل المثال، تم استضافتي في مركز الملك سلمان للشباب، وهي منظمة تعليمية مثيرة للإعجاب، و تقوم المؤسسة بترجمة مقاطع الفيديو لأكاديمية خان إلى اللغة العربية. و تم دعوتي لإعطاء محاضرة حول كيف للقوى التقنية بإمكانها ان تؤثر على بيئة العمل. ولم تكن لدي فكرة حول مالذي يجب ان اتوقعه، و لكن حضر ما يقارب ٥٠٠ شخص لكي يشغروا كامل القاعة، نصفهم كانوا نساء جالسين في قسمهم الخاص و مرتدين ثوبهم الاسود التقليدي. من جهة أخرى كانت هناك ردة فعل سلبية في موقع التواصل الاجتماعي تويتر حول سبب منح منصة إلقاء لكاتب رأي كان ينتقد عملية التصدير الايدولوجية السلفية. و مع هذا كان هناك استقبالاً دافئ من الجمهور لحديثي وكانت الاسئلة استقصائية و مستبصره حول كيفية تجيهز أبناء الحضور للقرن الحادي و العشرين.
و يبدو ان لدى المتحفظين الان الكثير من المنافسة في تحديد هوية مستقبل البلاد، و الشكر يعود لبضع من التوجهات المتقاربة مع بعضها البعض. أولى هذه التوجهات هو انه اغلب المملكة العربية السعودية هم شباب أقل من سن الثلاثين. و قبل عقد مضى، قال الملك عبدالله بأنه سوف يدفع تكاليف أي سعودي يريد الدراسة بالخارج، مما نتج حالياً عن ٢٠٠.٠٠٠ ألف سعودي يدرس بالخارج (١٠٠.٠٠٠ ألف في الولايات المتحدة)، و يعود سنوياً قرابة ٣٠.٠٠٠ شاب يحملون الشهادات الغربية و ينضمون إلى القوة العاملة في المملكة. و الان بإمكانك ان ترى النساء يعملون في المكاتب في كل مكان، كما همس لي العديد من كبار المسؤولين السعوديين بأن بعض المتحفظين الذين ينتقدوا بقسوة حضور المرأة في بيئة العمل علناً، يحاولون الضغط عليهم سراً لكي يحصلوا بناتهم على مقاعد دراسية أو وظائف جيدة.
وأخيراً، مع تزايد شريحة الشباب بالتزامن مع ثورة تويتر واليوتيوب– هبةٌ من السماء لمجتمعٍ مُغلق. يستخدم الشباب السعوديون تويتر للتحدُث مع الحكومة ومناقشة بعضهم البعض حول قضايا اليوم. مُسجلين أكثر من 50 مليون ريتويت شهرياً.
ما كان يُفتقد هو قيادة مستعدة لتوجيه هذه الطاقات نحو الإصلاح. دخل محمد بن سلمان ولي ولي العهد, ابن الملك الجديد سلمان جنباً إلى ولي العهد المُعتدل محمد بن نايف و شرع في مهمة تحويل الكيفية التي تُحكم فيها المملكة.
قضيت أمسية مع محمد بن سلمان في مكتبه حيث احتفى بي. وبطاقته المتفجرة رسَم خططه بالتفاصيل. مشروعه الرئيسي هو لوحة قيادة للحكومة على الانترنت, من شأنها أن تعرض أهداف كل وزارة بشفافية, بمؤشرات الأداء الرئيسية الشهرية – التي سيحاسب بناءً عليها كل وزير مسؤول. فكرته هي أن تشارك كل أطراف البلاد في الأداء الحكومي. أقول لكم أيها الوزراء: منذ أن قدم محمد بن سلمان, القرارات الكبرى التي كانت تستغرق سنتين, يتم تنفيذها الآن في غضون أسبوعين.
وأوضح الامير محمد بن سلمان “التحديات الرئيسية هي الاعتماد المفرط على النفط والكيفية التي نُحضر فيها وننفق ميزانيتنا” وهو يُخطط لخفض الدعم للسعوديين الأثرياء، فلن يحصلوا على غاز وكهرباء ومياه رخيصة بعد الآن، وربما يتم فرض ضرائب على القيم المُضافة وضرائب للحد من استهلاك السلع الضارة على السجائر والمشروبات السُكرية، وخصخصة المناجم والأراضي غير المطورة وفرض الضرائب عليها مما يُحرر المليارات المجمدة حتى لو انخفض سعر النفط إلى 30 دولار للبرميل، كما سيكون للرياض الإيرادات الكافية للاستمرار في بناء الدولة دون الحاجة لاستنفاذ المدخرات. كما يخلق محمد بن سلمان الحوافز للمواطنين السعوديين لمغادرة الحكومة والانضمام للقطاع الخاص.
قال الأمير محمد “سبعون بالمئة من السعوديون هم تحت سن الثلاثين، وأن وجهات نظرهم تختلف عن النسبة الباقية، فأنا أعمل من أجل أن أصنع لهم بلداً يودون أن يعيشوا فيه في المستقبل.”
هل هذا مجرد سراب ام هي واحة بالفعل ؟ لا أعرف. هل سينتج عن ذلك دولة سعودية أكثر انفتاحاً أو دولة محافظة ذات فعالية أكبر؟ لا أعلم. إلا أنه أمراً جدير بالمراقبة. وأخبرني محمد عبدالله الجدعان رئيس مجلس إدارة هيئة سوق المال، “لم أكن أكثر تفاؤلاً من قبل، لدينا شعور لم نشعر به من قبل، ولدينا قدوة في الحكومة لم نتوقع أن نراه من قبل.”
خلاصة القول: لاتزال هُناك جوانب مُظلمة تتسبب في نشر الأفكار المتعصبة. لكنها الآن تواجه الشعب وقيادة تتطلع لبناء شرعيتها حول الأداء, وليس فقط التقوى أو اسم العائلة. كما قال لي معلمٌ سعودي: “لاتزال هُناك مقاومة للتغيير، ولكن هناك مقاومة للمقاومة أكثر بكثير”.
حصل الأمير محمد على الدعم المهم من والده الملك سلمان، الذي قام بتغير وزيري وزارتا الصحة والإسكان المهمتين بمدراء أعمال من عامة الشعب كجزء من تحول واسع النطاق لإضفاء الطابع المهني على المحكومة وتحفيز القطاع الخاص على القيام بدور أكبر من الناحية الاقتصادية. فوزير الصحة الجديد هو أحد أهم الرؤساء التنفيذيين في المملكة، خالد الفالح، الذي كان يدير شركة أرامكو.
وقال الأمير محمد بأن تبسيط الحكومة هو أمر حيوي “ليساعدنا على محاربة الفساد الذي يعتبر احد أهم التحديات الرئيسية التي تواجهنا.” وأضاف، علاوة على ذلك، ومن خلال التخلص التدريجي من الإعانات الحكومية ورفع أسعار الطاقة، ستستطيع السعودية يوماً ما من إنشاء “مفاعلات نووية أو مولدات الطاقة الشمسية” وجعلهم قادرين على المنافسة في السوق المحلي. وأضاف، إن هنالك حاجة ماسة لهذا الأمر لكي نستطيع تصدير المزيد من النفط السعودي بدلاً من استهلاكه محلياً.
وقال الأمير، ستكون هذه مسألة معقدةً بعض الشيء. فالعاملون السعوديون لا يدفعون الضرائب، “مجتمعنا لا يقبل الضرائب؛ المواطنون ليسوا متعودين على دفعها.” والحقيقة التي تقول بان الحكومة ستقوم بزيادة الضرائب بطريقة ما، فالشكل أو الطريقة التي سيتخذونها سيكون لها تداعيات سياسية: فهل سيسمع القادة إعلان لـ”لا ضرائب بدون تمثيل؟”
إلى أي مدى ستؤول فيه الأمور، هو أمر غير واضح (لدى السعودية انتخابات بلدية حيث يمكن للمرأة أن ترشح نفسها وأن تقوم بالتصويت). إلا أن الحكومة الجديدة لم تستشعر بأن حالة الرفاه يجب أن تتقلص، وذلك بسبب نزول أسعار النفط، وأن أدائها وقدرتها على الاستجابة يجب أن ترتفع.
و قال الأمير محمد بن سلمان: ” يستحيل على أي حكومة ان تبقى قائمة دون ما ان تكون جزء من المجتمع و من دون ان تمثلهم”، كما أضاف قائلاً: ” نحن رأينا ما حدث في الربيع العربي، لم تصمد سوى الحكومات التي كانت على اتصال مع شعوبها. ان الناس تسيء فهم النظام الملكي لدينا، هي ليست شبيه بأوروبا. ان النظام الملكي الخاص بنا يحمل شكلاً قبلياً، حيث هناك الكثير من القبائل و القبائل الفرعية و المناطق مرتبطة بالجزء العلوي”. و قال ايضاً: “الملك لا يمكنه الاستيقاظ و اتخاذ قرار حول القيام بأمر ما”.
كانت هناك ايضاً أمور أخرى قد لفتت انتباهي اثناء زيارتي هذه، مثل عزف الأوركسترا الغربية على القناة السعودية الحكومية في احدى الأمسيات، و مجموعة الرسوم الفنية المعاصرة من قبل فنانين سعوديين، احد الرسوم كانت لفنانة سعودية و هي معروضة في وزارة الإعلام.
وبالنسبة لداعش، نفى محمد انها ناتجة عن العقلية الدينية السعودية مشددا على انها في الحقيقة كانت كردة فعل ضد الوحشية تجاه العراقيين السنة من قبل حكومة نوري المالكي الشيعية الموجهة من ايران وضد سحق السوريين السنة من قبل حكومة دمشق المدعومة ايرانيا. وقال: “لم يكن هناك داعش قبل ان تغادر امريكا من العراق. فغادرت امريكا ودخلت ايران ثم ظهرت داعش.”
وقال شاكيا انه في الوقت الذي قامت فيه داعش بتفجير مساجد في السعودية سعيا منها لزعزعة النظام، اخذ العالم يتهم السعودية بالهام داعش، وأضاف: ” الارهابيين (داعش) يقولون انني لست مسلم. والعالم يقول انني ارهابي”
الا ان هذا ارث عدة عقود من دعم الحكومة السعودية الاسلام السلفي والجزء الآخر يعمل مع الغرب على كبح الجهاديين. وكما قلت اصبح العالم محبط من هذا التناقض.
و قال محمد أن رسالة داعش تُبث للشباب السعودي مباشرة عبر تويتر وأن الرسالة هي: ” يحاول الغرب فرض أجندتهم عليكم – والحكومة السعودية تساعدهم في ذلك – وتحاول إيران استعمار العالم العربي. لذلك نحن – داعش – نُدافع عن الإسلام.
وأضاف: “نحن لا نلوم الغرب على إساءته فهمنا. فهذا خطأنا جُزئياً. نحن لانشرح وضعنا. والعالم يتغير بسرعة، ونحن بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات لنكون مع العالم. العالم مختلفٌ
اليوم. لا يمكن أن تكون بمعزلٍ عن العالم. على العالم أن يعرف ما يدور في منطقتكم. ويجب علينا معرفة ما يدور في العالم –(إنها) قرية عالمية.
في اليمن، تم تشكيل تحالف خليجي بقيادة السعودية لقتال المسلحين الحوثيين والمتمردين الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والمدعومين من إيران. طرد المتمردون الحكومة اليمنية الرسمية خارج العاصمة, صنعاء, في شهر مارس ويحاول التحالف السعودي أن يُعيد السلطة لها، تُشير تقارير الأمم المتحدة حتى الآن، إلى أنه مقتل 5700 شخصاً، وكثير منهم من المدنيين. وقالها المسؤولون السعوديون لي بوضوح أنهم مستعدون للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض، ولا يُريدون أن يكونوا عالقين في الوحل هناك، إلا أن الحوثيون سوف يتعاملون مع ذلك بجدية فقط في حال أنهم استمروا في فقدان السيطرة على الأرض هناك، كما كانوا.
وأضاف أن “الجانب الآخر يعاني من متاعب في التوصل إلى توافق سياسي”، وقال محمد، وهو أيضاً وزير الدفاع “لكن كلما استمروا في فقدان السيطرة على الأرض ومع وجود الضغوط الدولية، سيكونون جادون [حول المفاوضات]. نحن نحاول إنهاء هذه المسألة”.
ومثل جميع المسؤولون الذين تحدثت معهم في هذه رحلتي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والمملكة العربية السعودية، أفصح محمد عن رغبته في ألا تتخلى أمريكا عن المنطقة. “هناك أوقات يكون فيها القائد ليس بقائد [في العالم]، وعندما لا يكون هناك قادة، ستترتب على ذلك الفوضى.”
المصدر: نيويورك تايمز
المصدر: http://goo.gl/JaoH7U
التاريخ: 25 نوفمبر
الكاتب: توماس فريدمان