الرقم: …/20
التاريخ: ../../1441هـ
الموافق: ../../2020م
صاحب الفضيلة/ ……………………………. حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
لائحة اعتراضية
على الحكم رقم: ………. ، وتاريخ: ../../1441هـ، في الدعوى الجزائية رقم: …………..، من الدائرة …………………
مقدمه لفضيلتك وكيلة المدعي بالحق الخاص/ ………………… ، بموجب الوكالة رقم (………….) وتاريخ ../../1440هـ ، والصادر من كتابة العدل بشمال الرياض .
الوقائع :
حيث أن المدعى عليه قام بكتابة التغريدتين التاليتين :
- ( ……………………………………………………………………….).
- ( ……………………………………………………………………… ).
فقام المدعي بتقديم بلاغ ضده لدى الشرطة و التي أحالته للنيابة العامة ومن ثم قامت بتوجيه الاتهام له بجريمة التشهير بالآخرين و الإضرار بهم وفقا للفقرة رقم 5 من المادة 3 من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ثم بإحالته للمحكمة ………. بالرياض لدى الدائرة ……………. ؛ دفع المدعى عليه الدعوى بكلام مرسل نص الحاجة منه ما يلي :
(… تغريدتي الثانية ردا عليه في بعض موافقه المعلنة والتي تحدث بها عبر تويتر ومواقع أخرى …… ومن الظاهر أن المغرد / …………………. قد اتخذ من تويتر ساحات معارك لإظهار قوته ومواقفه بشكل معلن متخذاً المحكمة سبيلاً له لتصفية خصومه والتباهي بذلك أمام رواد هذه المواقع، ودرج المحامي المذكور إلى إبراز قوته من خلال ابتزاز خصومه في مواقع التواصل ……. إن لم يسع قلب المغرد ……………ما وسع قلوب خلق الله في تويتر من بعض عباراته وتهجمه وإساءته لشريحة كبيرة من المجتمع فإنني أستشهد بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا عدواً بغير علم )، قالوا: يا محمد ، لتنتهين عن سب آلهتنا ، أو لنهجونً ربك ! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، فيسبوا الله عدواً بغير علم .(وعليه ولما سبق إيضاحه ألتمس من فضيلتكم ما يلي :- أولاً :- الحكم برد الدعوى لما ورد من أسباب مشار إليها. ثانياً :-اتخاذ ما ترونه حيال منع المدعي من التغريد والتطرق لمسائل الدين والعقيدة والتهكم على التيارات السنية وما فيه استثارة واستهزاء بالمغردين من المخالفين والتحدي بالقانون والتشهير بخصومه …. ) انتهى
و انتهت الدائرة بعد المرافعات إلى رد دعوى المدعي بالحق الخاص و العام و حملت منطوقها على الأسباب التالية:- (….. ولما كان المدعي بالحق الخاص يهدف من إقامة دعواه إلى إدانة المدعى عليه بإلحاقه الضرر بشخص المدعي والتشهير به لدى رواد تويتر، ويطلب إيقاع العقوبة التعزيرية الرادعة على المدعى عليه، وإلزامه بنشر اعتذار في الحساب محل الجريمة وتثبيتها مدة شهر، وبما أن التغريدة محل الدعوى بالتشهير المتعلقة بالحكم بإغلاق حساب المدعي في برنامج التواصل الاجتماعي تويتر، دفع المدعى عليه بكونه ناقلًا للخبر عن معرف آخر بتويتر نشر التغريدة ابتداءً، وأنه ليس إلا ناقلًا للخبر عن مصدره الأساس، وقدم مرفقًا لإثبات ذلك، مما يرفع وصف التشهير المباشر عنه، وبما أن التغريدات التي يشير المدعي أنها شملت نصوصًا ألحقت الضرر به، دافعت المدعى عليها أنها كانت ردًا عليه في بعض المواقف المعلنة من المدعي بالحق الخاص والتي تحدث بها عبر معرفة بتويتر،… وحيث أن الدائرة وهي في سبيل إحقاق الحق واستبانته، ومعرفة الباعث من كتابة المدعى عليه، ولكون الباعث على الفعل له أثر في الإدانة من عدمها، لذا فقد قامت الدائرة بعرض التغريدات المشار لها على المدعي، فنكل عن الجواب عنها مبررًا ذلك بأنه لا يريد أن يقر للمدعى عليه بالمكنة النظامية لمحاكمته، واستنادا إلى ذلك وبما أن التغريدات محل الدعوى لم تتضمن قذفا أو سبا يوجب التعزير، وحيث أن ما تضمنته من ضرر لحق المدعي قابله ما قدمه المدعى عليه من دفعه بأن رده كان لقاء التغريدات المشار لها والتي نكل المدعي عن الجواب عنها، و لما ورد عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: “المستبان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم”، ولنكول المدعي عن الجواب فإن الدائرة تعتبر ما لحقه من ضرر هو هدر لقاء ما قدمه المدعى عليه من تغريدات تثبت سوء ما اقترفه المدعي عبر معرفه ببرنامج تويتر. لذلك كله فإنّ الدائرة تنتهي إلى عدم ثبوت إدانة المدعى عليه بالتشهير بالآخرين والإضرار بهم وذلك من خلال حسابه في (تويتر)، وحكمت الدائرة برد دعوى المدعي بالحق العام والحق الخاص). انتهى
وحيث أن الحكم محل هذه اللائحة جاء مخالفاً لقواعد الولاية القضائية ، و شابه انحراف عن قواعد الحياد و الانحياز ضد المدعيِ ، و خالف المبادئ الشرعية والقضائية المستقرة، معطلاً به مقتضى العدالة الجنائية، وأسس قاعدة قضائية تنسف أحكام نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية كما سيأتي بيانه مفصلا في ثنايا هذه اللائحة .
وعن المدة النظامية للاعتراض فيبدأ سريانها من تاريخ ../../1441هـ، حسب منطوق الحكم، وتقديمه في التاريخ أعلاه خلال مدته فيكون مقبولاً شكلاً، أما عن الأسباب الموضوعية فنوردها فيما يلي: –
أولًا: مخالفة الدائرة لولايتها الشرعية وتعديها على سلطة النيابة العامة .
وحيث أن مسائل ولاية المحكمة من المسائل الابتدائية التي يجب الخوض فيها ابتداء ؛ كون الخلل فيها يعد خللاً جوهريا في الحكم ينحدر به إلى الانعدام ويصبح واقعة مادية لا ترتب أثارا قانونية ، وحيث أن الدائرة قبلت من المدعى عليه (المتهم) دفعه بأن سبب ارتكابه لجريمة السب و الشتم التي أدانته بها النيابة العامة بالحق العام بأن ذلك بسبب (مواقف المدعي المعلنة ) ، و يعني آراءه و أفكاره و مواقفه في قضايا الشأن العام ، ثم قدم للدائرة صوراً لتغريدات يزعم نسبتها لموكلي (المجني عليه) يدعي بأن تلك القصاصات المزعومة هي التي دفعته لأن يحتسب و يعاقب موكلي بأن يمارس شتمه و سبه و التشهير به جراء تلك التغريدات المزعومة ، وانطلاقا من ذلك وجهت الدائرة سؤالها لموكلي (المجني عليه) عن تلك التغريدات، الأمر الذي تعتقد معه الدائرة أن الدفع الذي قدمه المدعى عليه (المتهم)؛ دفع منتج في الدعوى، ممَّا حد بموكلي أن يرد على الدائرة بالامتناع عن الإجابة و برر ذلك قائلاً : ( أن المدعى عليه أقر بالتغريدات محل هذه الدعوى والتي تتضمن السب والشتم أمام الناس ، وساق مرفقات في المذكرة جملة من التغريدات نسبها لي وجعلها مبرراً لهذه الواقعة الجنائية وهو بذلك يفتأت على النيابة العامة والمؤسسات الحكومية في الدولة ويبرر جريمته مع أن الجرائم لا تبرر ) ثم قال موكلي حفظه الله : ( أمتنع عن الإجابة لأنني متى ما أجبت المدعى عليه عن دفاعه فإني أقر له بالمكنة النظامية لمحاكمتي ، وأنه يفتأت على سلطة النائب العام )، وحيث أن الدائرة وهي تقبل بذلك الدفع و تسوقه كأحد الأسباب التي تحمل هذا الحكم الطعين ، و تدين موكلي(المجني عليه) بأن تورد في أسبابها ما نصُّهُ ( فإن الدائرة تعتبر ما لحقه من ضرر هو هدر لقاء ما قدمه المدعى عليه من تغريدات تثبت سوء ما اقترفه المدعي عبر معرَفه ببرنامج تويتر).
فالدائرة وهي تفعل ذلك فإنها تخالف ولايتها القضائية المنحصرة في الفصل في الخصومة المنظورة أمامها، وأن تلتزم بحدود الدعوى الجزائية من الناحية الشخصية و الموضوعية؛ فمن الناحية الشخصية لا يجوز للدائرة أن تنظر إلا في الدعوى ضد المتهم الوارد بقرار الاتهام محل الدعوى الجزائية، ولا يجوز لها أن تتجاوزه إلى غيره سواء كان شريكا في الواقعة محل الاتهام أو كان غيره.
و من الناحية الموضوعية ؛ فلا يجوز للدائرة القضائية أن تخرج عن الواقعة الواردة في قرار الاتهام أو في دعوى المدعي بالحق الخاص (المجني عليه) ولا يجوز لها أن تفصل في واقعة لم ترد في قرار الاتهام .
ومتى تنكرت الدائرة القضائية لتلك القاعدتين فإن ذلك يرتب انعدام الحكم الذي تصدره بشأن الدعوى حيث أنها بذلك تخالف ولايتها القضائية المحددة؛ مكانًا وزمانًا وموضوعًا، وذلك بأن تعتدي على سلطة النيابة العامة التي لها الولاية الشرعية في ممارسة سلطة التحقيق والاتهام، وتنتهك بذلك أيضا مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والمحاكمة، والذي رسخته القوانين من أجل ضمانات كافية للمتهم.
وإن الدفاع وهو بصدد التصدي لهذا الحكم المعيب ليؤكد على مبدأ قانوني بالغ الأهمية وهو أن ولاية القاضي ليست ولاية مطلقة وإنما هي ولاية مقيدة بالمحددات الموضوعية والزمانية والمكانية الواردة في سند توليه القضاء من قبل الملك أيده الله؛ صاحب البيعة، ومرجع السلطات بما فيها السلطات القضائية، ومتى ما خرج القاضي عن ضوابط ولايته القضائية؛ فإن ذلك ينزع عنه الصفة القضائية، وينسحب ذلك على الإجراءات القضائية التي اتخذها لأنها تصبح منعدمة لا قيمة قانونية لها.
وحيث أن الدائرة انتهكت أحكام الولاية القضائية بعدوانها على سلطة النيابة العامة، وممارستها لإجراءات قضائية بمحاكمة المدعي (المجني عليه)، وتغيير المراكز القانونية في الدعوى بأن جعلت من المدعى عليه (المتهم بالدعوى العامة) ؛ مدعيًا عامًا مكنته الدائرة من محاكمة المدعي (المجني عليه) الذي بدلت الدائرة مركزه القانوني في هذه الدعوى ليكون متهمًا، في انتهاك لأبسط قواعد العدالة والمبادئ القضائية المستقرة، الأمر الذي يهوي بالحكم الطعين محل هذه الدائرة إلى دركات العدم.
ثانياً: الجرائم لا تبرر .
حيث أن الدائرة القضائية عندما قبلت دفع المدعى عليه (المتهم ) بأن سبب ارتكاب جريمة السب و الشتم و التشهير كانت رداً على مواقف المدعي (المجني عليه) المعلنة ، وجعلت ذلك الدفع من أسباب رد الدعوى العامة والخاصة ، معنى ذلك أن الدائرة القضائية ترسخ قاعدة قانونية و شرعية مفادها (أن الجرائم يمكن أن تبرر ) ، دون أن تدرك الدائرة مآلاته الخطيرة على قيم العدالة في الدولة ؛ حيث أن ذلك الدفع يعني أن الدائرة أعطت للمدعى عليه و غيره أن يمارس سلطة النيابة العامة ، و أن يحاكم الناس على آرائهم خارج أروقة القضاء و مؤسسات الدولة ، و أن له الحق أن يعتدي على الناس و ينتهك أعراضهم و يشوه سمعتهم و ينشر عنهم قالة السوء فقط لأنهم يقولون أو يفعلون أشياء لا يقبلها أو يختلف معها ، وهو الأمر الذي يهشم مبادئ العدالة و ينتهك مبدأ دولة القانون التي يُكف فيها أيدي الناس عن ممارسة سلطات الدولة .
إن قاعدة ( تبرير الجريمة ) التي أرستها الدائرة من خلال حكمها الطعين ؛ قاعدة غاية في الخطورة قد تؤسس -إذا لم يتداركها الاستئناف والتفتيش القضائي -إلى ممارسات اجتماعية تخل بالأمن والسلم الاجتماعي ، حيث ستدفع هذه القاعدة البعض إلى التعدي على الناس الذي يختلفون معهم في أفكارهم ويشبعونهم سبًا وشتمًا وتشويهًا، ثم إذا مثلوا أمام القضاء تحصنوا بهذه القاعدة ، ودفعوا الدعوى بمثل ما دفعها المدعى عليه في هذه الدعوى.
و الأخطر من ذلك؛ أنه وكما أجازت الدائرة الاعتداء اللفظي بقولها في تسبيبها لهذا الحكم المعيب: (وبما أن التغريدات التي يشير المدعي أنها شملت نصوصاً ألحقت الضرر به ، دفع المدعى عليه أنها كانت ردا عليه في بعض المواقف المعلنة من المدعي بالحق الخاص والتي تحدث بها عبر معرفه بتويتر وحيث ان الدائرة وهي في سبيل إحقاق الحق واستبانته ومعرفة الباعث من كتابة المدعي عليه ولكون الباعث على الفعل له أثر في سبيل احقاق الحق واستبانته … ولنكول المدعي عن الجواب فإن الدائرة تعتبر ما لحقه من ضرر هو هدر لقاء ما قدمه المدعي عليه من تغريدات تثبت سوء ما اقترفه المدعي عبر معرفه ببرنامج تويتر)فإنه يلزم من ذلك أن يتجاوز الجواز إلى الاعتداء الجسدي ، لأن ذات المعيار ينطبق على الاعتداء اللفظي و الجسدي، و لنا أن نتخيل -يا أصحاب الفضيلة -مجتمعنا وقد انقلب غابة ينهش بعضهم لحوم بعض ، و يتعارك الناس فيه لأنهم مختلفون في الأفكار ، ولا يشبه بعضهم بعض، كما هي سنة الله في خلقه ، وكل تلك البشاعة يحصنها مثل هذه الأحكام القضائية التي تتنكر لأحكام الشريعة و قواعد القانون و مبادئ العدالة.
و إن الدفاع ليلفت نظر أصحاب الفضيلة بأن الخوارج و الإرهابيين عندما انتهكوا الحرمات ، وأوغلوا في القتل ، واستحلوا الدم الحرام ، واستهدفوا مؤسسات الدولة ورجال أمنها؛ كانوا يسوقون لذلك أسبابًا واهية يتأولون به تكفير الدولة لتلك الأسباب ليجيزوا الخروج عليها ، فهم يبررون عنفهم و إرهابهم بحجج شرعية مغلوطة ويعتقدون أنهم محتسبون بذلك، حتى تصدَت لهم الدولة بكل حسم وقوة، و تصدى لهم العلماء و المفكرون بكشف زيف باطلهم حتى أباد الله خضراءهم و يابسهم، وقد أعلنت المؤسسات الأمنية في الدولة، نية الجماعات المتطرفة استهداف بعض من المواطنين التي تعتقد تلك الجماعات أنهم مفسدون بآرائهم مارقون عن الدين؛ فهل إذا مَثُل أولئك الغلاة أمام ذات المنصة التي أصدرت الحكم محل هذه اللائحة ودفعوا بما دفع به المتهم في هذه الدعوى؛ ستقبل دفعه و تخلي سبيله من الدعوى ؟
ولا يفوتنا -يا أصحاب الفضيلة -و قبل أن نتجاوز هذه الفكرة أن نشير إلى أن الإيذاء و العدوان وانتهاك الأعراض بالشتم و السباب؛ ليس سلوكًا قانونيًا لممارسة السلطة لمن يملكون الحق القانوني لممارستها، و ذلك ما يؤكده المرسوم الملكي رقم 43 بتاريخ 19/11/1377هـ، والذي ينص في المادة الثانية الفقرة الثامنة منه على: (معاقبة كل موظف يثبت ارتكابه لجريمة استغلال نفوذ وظيفته لمصلحة شخصية في داخل الدائرة أو خارجها ، وذلك بسجنه لمدة لا تزيد عن عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال … 8 : تطبق هذه العقوبة على من يسيء المعاملة أو يقوم بالإكراه باسم الوظيفة، كالتعذيب أو القسوة أو مصادرة الأموال، وسلب الحريات الشخصية، ويدخل في ذلك التغريم ،والتنكيل، والسجن، والنفي، والإقامة الجبرية في جهة معينة، ودخول المنازل بطريقة غير نظامية مشروعة، والإكراه على الإعارة أو الإجازة أو البيع أو الشراء ، وتحصيل ضرائب تزيد على المقادير المستحقة نظاما) فإذا كان الإكراه و القسوة و التنكيل لا يجوز لرجل السلطة ممارسته وهو يباشر أعمال وظيفته؛ فكيف أجازت الدائرة للمدعي (المتهم) أن يمارسها على المدعي (المجني عليه ) بأن يبرر شتمه و التشهير بالمدعي وعدوانه عليه بأنه كان مقابل كتاباته و أفكاره ؟ .
وجماع ما سبق؛ أن الدائرة وهي تباشر الدعوى قد سنَّت قاعدة مخالفة لقاعدة عصمة الأعراض وتجريم انتهاكها كما نصّ على ذلك النظام الأساسي للحكم في المادة التاسعة والثلاثين والتي تنص على أن: (تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة، وبأنظمة الدولة، وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة، أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك). وتنكرت لمبادئ القضاء في المملكة العربية السعودية، مما يتعين تصدي محكمة الاستئناف لهذا العوار الذي يتجاوز أطراف الدعوى ليمتد إلى قطاعات واسعة من المجتمع، ويثير الرعب والرهبة بين فئات الكتاب والمثقفين وأصحاب الرأي، ممن يستهدفهم الغلاة بألسنة حداد، ويحرضون عليهم، والخوف من أن تستهدف أجسادهم هدياً من هذا الحكم الطعين ، مما سيؤثر على حرية الرأي والتعبير التي لا تملك الدائرة سلطة قضائية للانتقاص منها، ولا تقييدها لأنها خارج ولايتها القضائية.
ثالثا: مخالفة الدائرة لمبدأ الحياد.
إن الدائرة قررت أن التغريدة محل الدعوى لا تحتوي سبًا أو قذفًا أو شتمًا، مما يعني أن المفردات الواردة في التغريدة يجوز تداولها بين الناس، و استخدامها داخل المملكة العربية السعودية، وكان هذا التسبيب على رداءته وهوانه وهزاله؛ قادرًا على حمل منطوق الحكم محل هذه اللائحة إذا ما توقفت عند هذا الحد، إلا أنها أبت إلا أن تتناقض لتورد في عجز التسبيب ما نصّه: ( وبما أن التغريدات التي يشير المدعي أنها شملت نصوصاً ألحقت الضرر به ، دفع المدعى عليه أنها كانت ردا عليه في بعض المواقف المعلنة من المدعي بالحق الخاص والتي تحدث بها عبر معرفه بتويتر وحيث ان الدائرة وهي في سبيل إحقاق الحق واستبانته ومعرفة الباعث من كتابة المدعي عليه ولكون الباعث على الفعل له أثر في سبيل احقاق الحق واستبانته … ولنكول المدعي عن الجواب فإن الدائرة تعتبر ما لحقه من ضرر هو هدر لقاء ما قدمه المدعي عليه من تغريدات تثبت سوء ما اقترفه المدعي عبر معرفه ببرنامج تويتر) فهي تقرّ بأن هناك ضررًا، لكن الدائرة أهدرته بسبب صور التغريدات التي قدمها المدعى عليه (المتهم) وزعم نسبتها لموكلي، وكان سبب هذا الاسترسال بالتسبيب من الدائرة هو الوصول إلى إدانة المدعي (المجني عليه) و العدوان عليه، الأمر الذي لا يمكن تبريره إلا بأن الدائرة انغمست في سجالات فكرية تدور رحاها خارج مجلس القضاء، و انحازت ضد المدعي (المجني عليه) بسبب آراءه، و أفكاره و نشاطه، التي لا تملك الدائرة ولاية في محاكمته عليها، و تقصَّدت العدوان عليه من خلال تسخير المنصة القضائية التي استأمنهم ولي الأمر عليها؛ لنصب محاكمة فكرية له.
ومما يؤكد هذا الانحياز من الدائرة ضد المدعي (المجني عليه)؛ أحكامٌ أصدرتها في وقائع مشابهة، وجرَّمت عبارات أقل مما كتبه المدعى عليه، حيث أدانت متهماً في الصك رقم: ……………. وتاريخ ../ ../ 1441هـ؛ بسبب عبارة (انطم) ، (من الخساسة) ، (من البجاحة) ، وحكمت عليه بالعقوبات التالية:
1-بالسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ 2-السجن لمدة عشرة أيام 3-حذف التغريدة
4-الاعتذار وتثبيته لمدة خمسة أيام 5-إغلاق جميع حسابات المتهم لمدة ستة أشهر.
والدفاع يستأذن الدائرة بأن يسوق تسبيب الحكم المشار إليه، والذي لا يمكن تخيل أن يصدر من ذات الدائرة التي أصدرت الحكم الطعين محل هذه اللائحة، حيث جاء في تسبيبها ما نصه:
( ولأن هذا الكلام فيه إساءة وازدراء لمن قيلت له، قال تعالى (لا يسخر قوم من قوم) وقال سبحانه (ويل لكل همزة لمزة) وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه، واستنادا للمادة الثالثة من مكافحة الجرائم المعلوماتية، ولأن الواجب على المتهم ترك مثل تلك العبارات التي لا تليق ، وله مناقشة المدعي الخاص (المجني عليه) وفكرته بعيدا عن الألفاظ الساقطة التي لا تنم عن فكر ولا ثقافة، ولا يمكن للمحاور أن يتكلم بها) .
كما أن الدائرة أدانت متهماً بالصك رقم :…………… بتاريخ ../../1441هـ؛ لمجرد الهمز واللمز فقط دون أن يكون هناك شتمٌ أو سبٌ صريح، وكانت أسباب الحكم المشار إليه كالتالي:
“وحيث أن ما جاء في التغريدات تضمن همزا ولمزا بالمدعي عليه ، وحيث أن ما قام به المدعي عليه يعد من قبيل التشهير بالمشتكي، وقد قال سبحانه وتعالي مبيناً لعباده في سورة الحجرات :” ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ولقوله صلي الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره،… بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) ، وحيث أن ما قام به المدعي عليه يعد إضرارًا بالمشتكي ، ولقوله صلي الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وحيث أنه تبيّن من التغريدات الصادرة من قبل المدعى عليه أنه لم يكن يقصد بها مجرد التساؤل ، وحيث أن ما قام به المدعى عليه بالتغريدات بالعبارات المذكورة في الدعوى على التسليم بوجاهته فلا يعد موقع التواصل الاجتماعي (توتير ) مكانًا مناسبًا له، ولكل ما سبق فقد ثبت لدى الدائرة إدانة المدعي عليه بما نسب إليه) .
ومع تمسكنا بدفعنا؛ بأنه ليس للدائرة الحق أصلًا أن تسأل أو أن تستنطق موكلنا بشأن ما دفع به المدعى عليه بتقديم صور من تغريدات زعم نسبتها لموكلي، ولا أن تسمع الدفع وتضبطه؛ إلا أننا نورد تعليقاً سريعاً على صورة تغريدة من تلك التغريدات التي ضبطتها الدائرة، لنعزز التأكيد بأنه كان للدائرة موقفٌ فكريٌّ ضد موكلي؛ جاء في تلك الصورة “عبارة دستورنا القرآن كذبة صنعت لتبرير الفراغ الدستوري ما قبل الأنظمة الأساسية ولا زلنا نكررها بجهل ”
فضبط الدائرة لهذه التغريدة تحديدًا يؤكد أن الدائرة انغمست في حوارات وضجيج يحدث خارج مجلس القضاء، وبيان ذلك أن مسألة تسمية القرآن بالدستور هي محل بحث و جدل بين فقهاء القانون، و تحدث عنها موكلي كثيرًا كأحد كبار فقهاء القانون المجتمع، وكان رأيه حفظه الله؛ أن التعريف الاصطلاحي للدستور هو: (مجموعة القواعد القانونية التي تبين شكل الدولة، ونظام الحكم فيها والسلطات، وعلاقة هذه السلطات وواجبات الأفراد وحقوقهم) ، فمصطلح (الدستور) بالمفهوم السابق؛ نتاج بشري يجوز تعديله أو إلغاؤه أو الزيادة عليه وهو الأمر الذي ينزه القران الكريم عن ذلك .
كما وأنه ووفق التعريف السالف يتبيّن أنّ الدستور بمفهومه القانوني يتمحور حول عدة محاور أساسية هي: شكل الدولة، وماهية مؤسساتها وكيفية عمل تلك المؤسسات وتنظيم علاقتهم ببعضهم البعض، وكذلك الحقوق التي تقرها الدولة للأفراد، والواجبات التي على الأفراد تجاه الدولة وتجاه بعضهم البعض.
وعليه فإنه لا يتصور أن توجد تلك المحددات في القرآن الكريم لأنه يبيّن القيم العليا في الحكم مثل العدل والمساواة دون أن يحدد -مثلا -نمطًا معينًا لشكل الدولة؛ هل هي دولة ملكية أو جمهورية أو سلطانية أو إمبراطورية، وقد تركها العزيز الحكيم للبشر، يحددونها على حسب المصلحة وظروف كل زمان ومكان، كما أنّ مؤسسات الدولة وسلطاتها والعلاقة بين تلك المؤسسات؛ لم ترد في القرآن الكريم تحديدا، ذلك أنه كتاب مُحكَم وضع اللبنات الأساسية للمجتمع والدولة، وترك التفاصيل للناس حتى يجدوا فسحة في دينهم.
وكل ما سبق إنما هو جدل علمي من الطراز القانوني الرفيع، الذي ينحسر عنه علم المدعى عليه (المتهم) الذي جاء إلى المحكمة متأبطا قصاصة لتغريدة لا يفهمها و يتعذر عليه إدراك أبعادها العلمية، حيث لا يدركها إلا الراسخون في العلم القانوني من الفقهاء و العلماء، و إن الدفاع ليأسف أن الدائرة انساقت له في جهله ولم تمعن النظر و تسأل الراسخين في العلم القانوني، و إن الدفاع وهو يورد تلك الإلماحة السريعة عن تلك القصاصات التي دفع بها المدعى عليه (المتهم) و استجابت له الدائرة وطبيعة تلك القصاصات، ليهدف إلى التأكيد بأن الحكم محل هذه اللائحة قد شابه انحراف جوهري عن العدالة، و أن الدائرة وهي بصدد مباشرة هذه الدعوى حكمت بعلم أعضائها، ولم تكن متجردة مستقلة عن رأيها في فكر المدعي (المجني عليه) ومواقفه في الفضاء العام، و جيَّرت المنصة القضائية لمحاكمته خارج أحكام القانون الذي يحكم عملها، و تنكرت لقواعد الحياد الذي يعد هاديًا للقضاء وهو يفصل في الخصومات.
كما أن الدائرة وهي تنغمس في سجالات فكرية اجتماعية خارج مجلس القضاء و تنحاز لطرف على حساب طرف؛ فإنها بذلك تنتهك مبدأ استقلال القضاء بمعناه الواسع، حيث أن استقلال القضاء لا ينحصر في استقلال القضاة و المؤسسة القضائية عن بقية مؤسسات الدولة، و إنما يشمل أيضا استقلالهم عن الأيديولوجيا و الأفكار والعقائد التي قد تؤثر على حكمهم، وذلك بأن يجلس القاضي على منصته؛ متجردًا من ذلك كله، منحازًا لقواعد العدالة و أحكام القانون، حتى يكون الحكم القضائي منتجًا لآثاره الشرعية و القانونية.
ومع التمسك بعدم قانونية مساءلة الدائرة لموكلنا بشأن صور التغريدات التي نسبها المدعى عليه (المتهم) لموكلنا و برّر بها شتمه و سبّه و التشهير به، فإن الدفاع ومن باب التأكيد على تحيز الدائرة ضد موكلنا؛ يورد المبدأ الصادر من مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة الذي جاء فيه أن: “صور الوثائق لا يعتمد عليها في الإثبات” –(م.ق.د) : (280/3/47) ، (1/12/1404).
وحيث أن مخالفة مبدأ الحياد يعد إخلالًا جوهريا بالحكم، ينزع عن هذه الدائرة الصفة القضائية، فإنه بذلك يهوي بحكمها محل هذه اللائحة إلى دركات العدم .
رابعاً : جاء تسبيب الحكم ملغيًا لأحكام نظام الجرائم المعلوماتية ومنتهكًا لأحكامه.
أما ما سبّبت به الدائرة مصدرة الحكم في حكمها برد الدعوى وعدم ثبوت إدانة المدعى عليه باستدلالها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ» فهو تسبيب واستدلال غير صحيح لم توفق الدائرة في إدراك مفهومه بما يتسق ومقاصد الشريعة، مما يجعل الدفاع يتصدى لبيانه وشرحه وذلك وفق المفردات التالية:
- أن جميع شرّاح الحديث ذكروا أن المقصود بالحديث أن إثم السب في الآخرة يكون على البادئ في حال رد المسبوب عليه بمثل ما قال، ولم يقل أحد منهم بسقوط الحق الخاص في حال كان السبّ يستوجب عقوبة دنيوية.
فقد قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: “معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له” (شرح النووي على مسلم: 16/ 140-141)
وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “ومعنى الكلام: أن المبتدئ بالسب هو المختص بإثم السب؛ لأنَّه ظالم به إذ هو مبتدئ من غير سبب ولا استحقاق، والثاني منتصر فلا إثم عليه، ولا جناح، لقوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}” (المفهم في شرح صحيح مسلم: 6/ 566)
وقال الإمام الطيبي رحمه الله: “ومعناه: إثم ما قالاه على البادئ إذ لم يعتد المظلوم، فإذا تعدى فيكون عليهما، نعم إلا إذا تجاوز غاية الحد، فيكون إثم القولين عليه”. (شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن للطيبي: 10/ 3114)
وقال المباركفوري رحمه الله: “ما قالا” أي إثم قولهما “فعلى البادئ” أي على المبتدئ فقط… وإنما كان الإثم كله عليه لأنه كان سبباً لتلك المخاصمة. وقيل إثم ما قالا للبادئ أكبر مما يحصل المظلوم “ما لم يعتد المظلوم” فإن جاوز الحد بأن أكثر المظلوم شتم البادئ وإيذاءه صار إثم المظلوم أكثر من إثم البادئ. وقيل إذا تجاوز فلا يكون الإثم على البادئ فقط بل يكون الاَخر آثماً أيضاً باعتدائه”. (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: 6/ 115)
وقال الإمام الوزير ابن هبيرة الحنبلي رحمه الله: “في هذا الحديث ما يدل على أن البادئ بالسباب، هو الذي أثار ذلك الشر، فكان عليه إثمه وإثم من أجابه أو اقتدى به فيهن إلا أن يعتدي المظلوم اعتداء يخرجه عن الحق، فعليه من ذلك مقدار اعتدائه”. (الإفصاح عن معاني الصحاح: 8/ 175)
وقال القاضي عياض رحمه الله: “جعل هذا الإثم على البادئ إذا لم يتعد الثاني، ومعناه: أنّ الثاني رد عليه مَنْ سبّه مثله ما لم يتعدّ إلى غيره من سلف، وإنما سبّه في نفسه بمثل ما سبّه به ونحوه، مما هو أيضاً غير بهتان ولا كذب”. (إكمال المعلم بفوائد مسلم: 8/ 58)
وقال السيوطي رحمه الله: “مَعْنَاهُ أَن إِثْم السباب الْوَاقِع بَين اثْنَيْنِ مُخْتَصّ بالبادئ مِنْهُمَا إِلَّا أَن يتَجَاوَز الثَّانِي قدر الِانْتِصَار فَيَقُول للبادئ أَكثر مِمَّا قَالَ لَهُ وَلَا يجوز للمسبوب أَن ينتصر إِلَّا بِمثل مَا سبَّه مَا لم يكن كذبًا أَو قذفًا أَو سبًا لأسلافه، فَإِذا انتصر استوفي ظلامته وَبرئ الأول من حَقه وَبَقِي عَلَيْهِ إِثْم الِابْتِدَاء وَالْإِثْم الْمُسْتَحق لله، وَقيل يُرفع عَنهُ جَمِيع الْإِثْم بالانتصار مِنْهُ، وَيكون معنى على البادئ أَي عَلَيْهِ اللوم والذم لَا الْإِثْم”. (شرح السيوطي على مسلم: 5/ 522)
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله: “(المستبان) الذي يسبّ كل واحد منهما الآخر (ما قالا) أي إثم قولهما (فعلى البادئ منهما) لأنه مُسبِّب السبب والداعي إلى تلك المخاصمة، لأنّ من أجابه فاعل لما جاز له من الانتصار فليس عليه شيء بل الإثم على البادئ لما قاله وتسبَّب به إلى شغل أخيه بالكلام والجواب (حتى يعتدى المظلوم) بأن يجاوز حد الجزاء ويخارف في الإجابة ويتكلم بما لا يحل فيشارك البادي في الإثم، وقيل: المعنى إذا سبّه فرد عليه كان كفافًا فإن زاد بالغضب والتعصب كان ظالمًا”. (التنوير شرح الجامع الصغير: 10/ 475)
فمن هذه النقول يتبين خطأ استدلال الدائرة مُصدِرة الحكم في استدلالها بالحديث في إسقاط العقوبة عن المدعى عليه (المتهم) وإهدار حق موكلي (المجني عليه)؛ إذ لم يقل أحد من شرّاح الحديث بسقوط حقوق العباد أو العقوبة الدنيوية عن الساب إذا كان سبّه يستوجب الحد أو التعزير.
يضاف إلى ذلك أن موكلي لم يجارِ المدعى عليه في سبّه ولم يرد عليه بمثل ما قال، وكان يسعه لو كان يعتقد أن موكّلي تجاوز عليه أن يلجأ إلى القانون، ويلوذ بحصن القضاء ليأخذ حقه، لا أن يأخذ حقه بلسانه، كما كان يفعل البشر قبل أن ينشأ مفهوم دولة القانون.
- أن الاستدلال بالحديث لإهدار الحقوق الخاصة وفق فهم الدائرة مُصدِرةً الحكم يؤدي عمليًا إلى تعطيل العمل بأنظمة المملكة ومنها نظام مكافحة جرائم المعلوماتية؛ حيث أنَّ الحكم يؤصّل ويُرسي مبدأ خطيرًا وهو نسف وتعطيل العمل بأنظمة المملكة، ويدعو الناس بشكل غير مباشر إلى عدم احترام تلك الأنظمة وأخذ حقوقهم بأنفسهم بعيدًا عن أحكام القانون و سلطة القضاء، مما سيؤدي إلى تفشي مظاهر السباب و بذاءة اللسان و الولوغ في الأعراض، مما يخالف مقصد المُشرِّع من إصدار نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي نصت مادته الثانية على أنه: ( يهدف هذا النظام إلى الحد من وقوع جرائم المعلوماتية ، وذلك بتحديد هذه الجرائم والعقوبات المقررة لكل منها، وبما يؤدي إلى ما يأتي: …٣ – حماية المصلحة العامة ، والأخلاق، والآداب العامة) فالمؤسسة التشريعية عندما أصدرت هذا النظام كانت تهدف لأن يساهم في إدارة الخلافات في وسائل التواصل الاجتماعي، و ضبط إيقاعها، بحيث لا تخرج عن الأخلاق و الآداب العامة، إلا أن الدائرة بهذا التسبيب تنسف أحكام النظام الذي أصدره ولي الأمر والذي في أعناقنا بيعة بالسمع والطاعة له، وهو مرجع كافة السلطات التشريعية و القضائية و التنفيذية، و لا يسع الدائرة وهي تمارس سلطتها القضائية إلاَ أن تنصاع للقوانين التي يصدرها ولي الأمر، و تلتزم بحدود ولايتها، و إلاَ أصبحت أحكامها منعدمة كما هو الحال في الحكم محل هذه اللائحة.
خامساً: ترسيخ قاعدة سلامة المركز القانوني لناقل الشتيمة.
دفع المدعى عليه (المتهم) التغريدة التي نشرها في حسابه والتي تقدم بها المدعي المجني عليه لهذه الدائرة و نصها: ( ……………………………………………………………………………).
و التي فيها إساءة سمعة المدعي (المجني عليه) و التشهير به بمعلومات أقر المدعى عليه (المتهم) بكذبها ودفع تلك التغريدة بأنه مجرد ناقل لها من مواقع أخرى و ليس منشأ لها، وقبلت الدائرة هذا الدفع و جعلته أحد الأسباب التي أخلت سبيل المدعى عليه (المتهم) من هذه الدعوى، مع أنه مناهض لأبسط المفاهيم القانونية و يؤصل و يشرعن لتناقل الإشاعات من مواقع مجهولة تسيء للناس و تنهش أعراضهم، و لا يمكن للمجني عليه أن يستصرخ القضاء أو يلوذ بجنابه وفقًا لهذه القاعدة المعيبة التي رسختها الدائرة من خلال الحكم الطعين محل هذه الدائرة .
فلنا أن نتخيل -يا أصحاب الفضيلة -أن نرى أخبارًا تنال من العرض أو الذمة أو صورا مزورة تنشرها مواقع خارج سيادة الدولة و بعيدة عن الأذرع القانونية للمؤسسات الأمنية، ثم يأتي أمثال المدعى عليه (المتهم) و ينقلها و يشهرها بين الناس، متحصنًا بهذا الحكم، و أنه مجرد ناقل لا منشأ، وكل ذلك يحدث و نحن عاجزون عن حماية أعراضنا و سمعتنا بين الناس و التي ستصبح كلأ مباحًا لأمثال المدعى عليه (المتهم) و إضرابه في الأرض، الأمر الذي تأباه قواعد الشريعة الكلية و التي جاءت حماية للضروريات الخمس و من بينها حفظ العرض، ورسخها عليه الصلاة و السلام عندما وقف في أواخر وقفاته أمام الناس على صعيد منى في خطبته عليه السلام يوم النحر عندما قال: ( إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ) متفق عليه .
وإذا طردنا هذه القاعدة؛ فإنه بالإمكان تطبيقها على المسيئين لمؤسسات الدولة وقياداتها، ومن ينقل عن المواقع المعادية أخبارًا كاذبة مضللة وينشر الأرجاف بمحتوى أخذه من تلك المواقع المعادية، وإذا تم مساءلته تحصّن بهذه القاعدة المعيبة التي رسخها هذا الحكم الطعين !! ومن هنا يتبين أن الدائرة و أعضائها غير مدركين لمآلات حكمهم، وماهي أبعاده على قيم العدالة و أحكام القانون والأمن و السلم الاجتماعي .
ويود الدفاع أن يشير إلى أن ما ذهبت إليه الدائرة بعدم مساءلة ناقل الخبر المسيء؛ يتعارض مع ما استقرت عليه قرارات اللجان الابتدائية للنظر في مخالفات نظام المطبوعات و النشر على مسؤولية ناقل الخبر، حيث جاء في القرار رقم 67 لعام 1438 في القضية رقم …….. لعام 1438 ما نصه: ( … حيث أن الناقل للخبر يعتبر ناشرا له لا تسقط المسؤولية جراء ذلك و النظام لم يفرق بينهما).
سادساً: انعدام الوصف النظامي للنكول بحق موكلي:
حيث يعرف مصطلح النكول لغة بأنه فعل (الامتناع)، ولكون موكلي (المجني عليه) لم يمتنع عن الإجابة إنما أجاب ردًا على السؤال بقوله ( أن المدعى عليه أقرَّ بالتغريدات محل هذه الدعوى والتي تتضمن السب والشتم أمام الناس، وساق مرفقات في المذكرة جملة من التغريدات نسبها لي وجعلها مبررا لهذه الواقعة الجنائية، وهو بذلك يفتئت على النيابة العامة والمؤسسات الحكومية في الدولة ويبرِّر جريمته مع أن الجرائم لا تبرَّر ) ثم أردف موكلي حفظه الله: (أمتنع عن الإجابة لأنني متى ما أجبت المدعى عليه عن دفوعه فإني أقر له بالمكنة النظامية لمحاكمتي وأنه يفتئت على سلطة النائب العام )، وهذا لا يعد نكولًا من موكلي بل جوابًا ملاقيًا لدفع غير منتج في الدعوى، فضلاً على أن نظام المرافعات الشرعية حدد ماهية النكول وضوابطه على وجه الحصر في مادته السابعة والستين بنصها: ( إذا امتنع المدعى عليه عن الجواب كلياً، أو أجاب بجواب غير ملاقٍ للدعوى، كرَّر عليه القاضي طلب الجواب الصحيح ثلاثاً في الجلسة نفسها، فإذا أصرّ على ذلك عَدّه ناكلاً بعد إنذاره، وأجرى في القضية المقتضى الشرعي.) وكما يتضح لفضيلتكم أن المادة المشار إليها حددت معيارين لإثبات النكول القضائي، أولًا: أن يشرع بحق المدعى عليه. ثانيًا: أن تنذره الدائرة ثلاثًا قبل الحكم عليه بالنكول.
و حيث أن استخدام الدائرة لمصطلح (النكول) جاء مخالفا لأحكام النظام، وبما أن ذلك كان أحد أسباب الحكم محل الاعتراض؛ فإن يجعله حري بالنقض .
سابعاً : أغفلت الدائرة السابقة الجنائية للمدعى عليه ولم تورد سبب رد الدعوى العامة .
أوردت الدائرة أسباب ردِّها دعوى المدعي بالحق الخاص (المجني عليه) والذي تصدى لها الدفاع في صدر هذه اللائحة؛ إلا أن الدائرة لم تورد سببا لرد الدعوى العامة، و لم تورد في حكمها أن للمتهم سابقة جنائية في قضية جريمة معلوماتية كما ورد في لائحة الاتهام، وهو ما كان يفترض أن يدعوها لأن تغلظ العقوبة لأنها من الظروف المشددة، لا أن تبرىء ساحته من الدعوى، و كأنها تدعوه و غيره لأن ينطلقوا لينهشوا أجساد البشر بأقلامهم ، متحصنين بهذا الحكم المعيب، وهو ما يؤكد ما سقناه في عرض هذه اللائحة بأن الدائرة تعمدت أن تدير هذه الخصومة بعيدًا عن المعايير القضائية المستقرة في القضاء في المملكة، و سببُ ذلك شخصية المجني عليه الذي لاذ بالقضاء من جور و عدوان المدعى عليه (المتهم) كما يفعل الأسوياء في هذا العالم حيث لا يتقاضون لأنفسهم خارج القضاء و إنما يلوذون للمحاكم للانتصار لأنفسهم، وكان نتيجة ذلك أن انقلبت المنصة القضائية عليه لتجعل منه مدانًا يتعرض لمحاكمة خارج إطار القانون .
وعليه ولجميع ما سبق ، فإننا نلتمس من فضيلتكم ما يلي :
أولا: قبول الاعتراض شكلاً .
ثانياً ، وفي الموضوع : بنقض الحكم محل الإعتراض رقم …………، وتاريخ: ../../1441هـ وفقاً لما ورد من أسباب في هذه اللائحة .
والله يحفظكم ويرعاكم ،،،
وكيل المدعي
…………………………………………………..