المحكمة الدستورية العليا المصرية
قضية رقم 243 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية”
مبادئ الحكم: حق المواطن في استخراج وحمل جواز السفر – الحق في التنقل – كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية
نص الحكم
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 4 نوفمبر سنة 2000 م، الموافق 8 من شعبان سنة 1421 هـ
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولي الدين جلال
رئيس المحكمة
والسادة المستشارين/ حمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور
أعضاء
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق
رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن
أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 243 لسنة 21 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري ملف الدعوى رقم 10431 لسنة 53 قضائية.
المقامة من
السيدة/ …
ضد
1- السيد/ …
2- السيد/ وزير الداخلية
3- السيد/ رئيس مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية
الإجراءات
بتاريخ السابع من ديسمبر سنة 1999 ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 10431 لسنة 53 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها المعقودة في 23/11/1999 بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادتين 8 و11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر والنصوص المرتبطة بهما.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 10431 لسنة 53 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبة الحكم بوقف تنفيذ ثم بإلغاء قرار وزير الداخلية بإدراج اسمها على قوائم الممنوعين من السفر مع ما يترتب على ذلك من آثار، قولا منها بأنها مصرية الجنسية، وتعمل بإمارة دبى، وتحمل جواز سفر مصريا ساري المفعول؛ إلا أنها فوجئت بأن اسمها مدرج ضمن قوائم الممنوعين من السفر بتاريخ 7/8/1999، وذلك بناء على طلب زوجها المدعى عليه الأول، مما يضر بحقوقها ويمس مستقبلها، وبتاريخ 23/11/1999 قضت محكمة القضاء الإداري بإجابة المدعية إلى طلبها العاجل، وبوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادتين 8 و11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 المشار إليه والنصوص الأخرى المرتبطة بهما، وأقامت قضاءها على أن الدستور قد أكد حرية التنقل، وأقر حق المواطنين في الهجرة، وعهد إلى القانون بتنظيم تلك الحرية، وهذا الحق؛ فإذا ما خالف المشرع هذا المسلك وفوض السلطة التنفيذية في تحديد شروط وإجراءات منح جوازات السفر للمواطنين، وخولها الحق في رفض منحهم جواز السفر أو تجديده، فضلا عن إمكان سحب الجواز بعد إعطائه – وذلك على النحو الوارد بالمادتين 8 و11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959- فإنه يكون قد وقع في شبهة المخالفة لأحكام المواد 41 و51 و52 من الدستور؛ وهذه الشبهة تنسحب بالتبعية على المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 الصادر تنفيذا لبعض أحكام ذلك القرار بالقانون.
وحيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر ينص في المادة (1) على أنه: “لا يجوز لمن يتمتعون بجنسية جمهورية مصر العربية مغادرة أراضي الجمهورية أو العودة إليها إلا إذا كانوا يحملون جوازات سفر وفقا لهذا القانون”. وفي المادة (7) على أن: “تصرف جوازات السفر لمن يطلبها من الأشخاص الذين يتمتعون بجنسية جمهورية مصر العربية الثابتة جنسيتهم أصلا أو بشهادة جنسية من وزارة الداخلية” كما تنص المادتان 8 و11 منه على ما يأتي:
(مادة 8) “يعين بقرار من وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية شكل جواز السفر، ومدة صلاحيته وطريقة تجديده وشروط وإجراءات منحه…”. (مادة 11) “يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر آو تجديده كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه”.
وحيث إن المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 المشار إليه تنص على أن: “يكون منح الزوجة جواز سفر أو تجديده بعد تقديم موافقة زوجها على سفرها للخارج، كما يجب تقديم موافقة الممثل القانوني لغير كامل الأهلية على استخراج جواز السفر أو تجديده وفي الحالتين تعتبر الموافقة على استخراج جواز السفر أو تجديده تصريحا بالسفر طوال مدة صلاحية الجواز.
ولا يكون إلغاء الموافقة إلا بإقرار من الزوج أو الممثل القانوني بعد التحقق من شخصيته وصحة صدور الإقرار منه أمام الموظف المختص بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وفروعها، أو أمام القنصليات المصرية بالخارج، ويجب وصول الإقرار إلى المصلحة المذكورة أو فروعها قبل السفر بوقت مناسب”.
وحيث إن نطاق الدعوى – على ضوء ارتباط النصوص المحالة بالطلبات المطروحة في النزاع الموضوعي – يتحدد بما تضمنه نص المادة (8) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 المشار إليه، من تخويل وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية سلطة تعيين شروط منح جواز السفر؛ ونص المادة (11) من ذات القرار بالقانون التي تجيز لوزير الداخلية سلطة رفض منح جواز السفر أو تجديده أو سحبه بعد إعطائه وكذلك نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 المشار إليه فيما تضمنه من تنظيم منح وتجديد جواز سفر الزوجات.
وحيث إن حق المواطن في استخراج وحمل جواز السفر، لا يعد فحسب عنوانا لمصريته التي يشرف بها داخل وطنه وخارجه؛ بل يعكس فوق ذلك رافدا من روافد حريته الشخصية التي حفى بها الدستور بنصه في المادة 41 على أنها مصونة ولا يجوز المساس بها “وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو…. أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون” دالا بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتض مشروع، إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها؛ وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك، أن يكون تعيين شروط إصدار وثيقة السفر بيد هذه السلطة، والأصل فيها هو المنح، استصحابا لأصل الحرية في الانتقال؛ والاستثناء هو المنع؛ وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض، أو عضو نيابة عامة، يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية.
وحيث إن الدستور قد احتفى – كذلك – بالحقوق المتصلة بالحق في التنقل فنص في المادة 50 منه على حظر إلزام المواطن بالإقامة في مكان معين أو منعه من الإقامة في جهة معينة إلا في الأحوال التي يبينها القانون، وتبعتها المادة 51 لتمنع إبعاد المواطن عن البلاد أو حرمانه من العودة إليها، وجاءت المادة 52 لتؤكد حق المواطن في الهجرة الدائمة أو الموقوتة على أن ينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد؛ ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين. متى كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتسلب من اختصاصها، وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها، فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية، تنظيم الحق من أساسه، كان متخليا عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور، ساقطا – بالتالي – في هوة المخالفة الدستورية.
وحيث إن نص المادتين 8 و11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 المشار إليهما بما تضمناه من تفويض وزير الداخلية في تحديد شروط منح جواز السفر، وتخويله سلطة رفض منح الجواز أو تجديده، وكذا سحبه بعد إعطائه، إنما يتمحض عن تنصل المشرع من وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جوازات السفر بأكمله على الرغم من كونها الوسيلة الوحيدة لتمكين المواطن من مغادرة بلده والرجوع إليه، وارتباط ذلك ارتباطا وثيقا بالحقوق التي يكفلها الدستور في المواد 41 و50 و51 و52 على الوجه المتقدم بيانه؛ ومن ثم فإن مسلك المشرع في هذا الشأن يكون مخالفا للدستور.
وحيث إن المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 قد نظمت منح وتجديد جواز السفر للزوجة، محددة الشروط اللازمة لذلك بما يجيز إلغاء الموافقة السابقة على صدور الجواز أو تجديده، وكان وزير الداخلية في تنظيمه هذا، يستند إلى السلطة المخولة له بالمادتين 8 و11 المشار إليهما؛ فإن القضاء بعدم دستوريتهما يترتب عليه لزوما سقوط المادة الثالثة من ذلك القرار.
وحيث إنه وإن كان ما تقدم إلا أن ذلك لا يحول دون أن يتولى المشرع – بتشريع أصلي – تنظيم منح وتجديد جواز السفر للزوجة وسحبه منها موازنا في ذلك بين حرية التنقل – بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه – وبين ما تنص عليه المادة 11 من الدستور من كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجل دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، وما تقضي به المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية – القطعية الثبوت والدلالة – هي المصدر الرئيسي للتشريع.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: بعدم دستورية نص المادة (8) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 فيما تضمنه من تخويل وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية سلطة تحديد شروط منح جواز السفر.
ثانيا: بعدم دستورية نص المادة (11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه.
ثالثا: بسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم3937 لسنة 1996.