نشرت الصحف قبل أيام أخباراً وتحليلات حول قرار مجلس الشورى تجريم التفحيط، من خلال قانون يعد لأجل مكافحة تلك الظاهرة، والغريب أنه لم يعترض أحد من أعضاء مجلس الشورى على النظام، كما اعترض بعضهم على مشروع نظام مكافحة التحرش، الذي أسقط بسبب معارضة بعض الأعضاء متأثرين بما كتبه مجموعة من العباقرة الذين توصلوا إلى أن نظام مكافحة التحرش سيشرعن الاختلاط والزنا على حد زعمهم، لأنه وتأسيساً على تلك القاعدة العظيمة فإن القانون المزمع إصداره لمواجهة ظاهرة التفحيط سيشرعن التفحيط وينشره بين الشباب، كما أن نظام مكافحة الإرهاب سيشرعن للإرهاب، ومكافحة الرشوة والتزوير سيشرعن لتلك الجرائم، الفرق بين تلك القوانين الجنائية التي لم يعارضها الإخوة الغلاة، وبين قانون التحرش أن تلك القوانين لا يوجد فيها (المرأة) التي نصّبوا أنفسهم أوصياء عليها، فلا يتخيلوا بأن يصدر قانون يحمي عرضها وكرامتها من دون أن يخرج من تحت عباءتهم، وأن يصاغ وفق أجندتهم الإيديولوجية الضيقة،
الممانعون لقانون التحرش يريدون أن تبقى تلك الجريمة سوطاً مسلطاً على المرأة التي تخالف آراءهم، فتخرج لعملها أو تقضي حوائجها أو تمارس الأعمال الطبيعية المباحة كبقية خلق الله، فهم يريدون ترسيخ العبارة التي يتداولها السذّج (لو جلست في بيتها لم يتحرش بها أحد)، فيضعون المرأة بين خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تحبس نفسها في البيت، وإما أن تكون عرضة للتحرش من أوباش البشر، فالتحرش يصبح عقوبة لا جريمة تستوجب العقوبة، وانطلاقاً من المبدأ ذاته يقع اللوم دائماً على المرأة في حالات التحرش، وحتى الاغتصاب؛ فهي الفتنة التي تمشي على قدمين، وهي التي أغرت وفتنت المتحرش بسلامته الذي يتدفق ورعاً وزهداً حتى جاءته تلك المرأة لتخرجه من محرابه وتلقيه في براثن الخطيئة، وتلك الأحكام المسبقة هي التي دفعت بعض النساء إلى السكوت وعدم التبليغ عن حالات التحرش، لأنها تعلم مسبقاً أنها ستكون المذنبة وستتجلل بالعار والتأنيب من عائلتها فتلوذ بالصمت خوفاً على نفسها.
المعترضون على قانون التحرش فضلاً عن جهلهم المطبق بالشريعة والقانون؛ فهم ينطلقون من عادات ومفاهيم لم ينجح التعليم في إذابتها، لأنه تعليم رديء غير قادر على مواجهة تلك الأفكار البالية المتكلسة، بل ساهم في ترسيخها وتجذرها، لأنه تعليم قائم على الحفظ والتلقين واستبعاد التفكير وإعمال العقل، ولو كان لتنمية التفكير مكان في تعليمنا لما أنتجت لنا مؤسساتنا التعليمية إنساناً يعيش في القرن الـ21؛ يتزعم حملة لإجهاض قانون يهدف إلى مكافحة جريمة من أسوأ الجرائم التي تنال من الكرامة الإنسانية وهي التحرش، ويعلل ذلك بأن القانون في حال إقراره سيشرعن الزنا والاختلاط! لا تستغرب من تلك الكائنات الحية فهي نتاج تعليم «التنكة تتمدد بالحرارة وتنكمش بالبرودة».
الجمعة، ٢٢ مايو/ أيار ٢٠١٥