عندما كنا أطفالاً في المدرسة، كان هناك تركيز من أساتذتنا على التحذير من رفاق السوء، حتى تشكل في ذاكرتنا أن صديق السوء شبح أو أقرب إلى الغول البشع، الذي يمكن أن يختطفك إلى عالم الانحراف.
مازلت أذكر المثال الذي دائماً يردده أساتذتنا في المدرسة أن صديق السوء أشبه بالتفاحة الفاسدة، التي إذا تركت أفسدت بقية التفاح في السلة، وكان هذا المثال مدرجاً في منهج المطالعة في ذلك الزمن الجميل، وكان التصور الذهني لرفيق السوء هو ذلك الشاب الذي يتعاطى المخدرات، سواء أكانت حبوباً مخدرة أم قضاء يومه في شم مادة «الباتكس»، والمقتدر منهم كان يشرب العرق في مناطق برية بعيدة عن المدينة، حتى التدخين يومها كان من السمات الذهنية لصديق السوء.
لازلت أتذكر موقفاً مرعباً عندما كنت طالباً في السنة الثالثة الابتدائية، عندما رأيت طالباً في الصف السادس يدخن في دورات المياه، شعرت يومها بأنني أمام ذلك الغول الذي سمعت عنه وحيكت فيه القصص، وهو رفيق السوء المنحرف والتفاحة الفاسدة المتعفنة.
الصورة الذهنية عن المنحرف ورفيق السوء ظلت كما هي عليه في وجداننا الاجتماعي منذ ذلك التاريخ، ولم تتغير في مناهجنا التعليمية وخطابنا التربوي والإعلامي، إذ إن الانحراف هو فقط الانحراف الأخلاقي الذي نحذر منه أطفالنا، ونخوفهم من الاقتراب من مروجي ومتعاطي المخدرات والفاسدين أخلاقياً، من دون أن نلتفت إلى الانحراف الفكري المتمثل بالتطرف الديني، الذي لا يقل خطورة عن الانحراف الأخلاقي، بل إن كثيرين يدفعون أبناءهم إلى تلك الجماعات الدينية المتطرفة ويحثونهم على المشاركة في مناشطهم المشبوهة، سواء أكانت في المساجد أم في المخيمات أم في الاستراحات؛ خوفاً على طفله من رفقاء السوء، من دون أن يسألوا عن الأفكار التي يتلقونها في تلك البؤر المشبوهة؛ لمجرد أن القائمين عليها، كما يقول إخواننا المصريون: «بتوع ربنا».
فالأب لا يدرك أنه من الممكن أن يكون ذلك الشخص، الذي ظاهره التدين، من شريحة رفاق السوء نفسها، التي حذرت منها النصوص الشرعية، ويكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالأب قد اختزل الانحراف فقط في تجار المخدرات وفي جلسات تعاطي الحشيش، فهو يحذر أبناءه منهم، لكنه لا يحذرهم من المتطرفين ومناشطهم وجلساتهم التي قد تهوي به في أتون الإرهاب، ويفيق الأب وقد وجد ابنه قد تمزق أشلاءً وقتل العشرات من الآمنين المصلين الركع السجود؛ وكله بسبب ذلك الخطاب الديني المتطرف، الذي كان غافلاً عنه، خطابنا التربوي والإعلامي مازال بعيداً عن المواجهة الحقيقية للتطرف والمتطرفين، فهو يتعاطى معهم على استحياء ولا يوجد جهد منظم لمحاصرته، وهذا لن يتأتى إلا إذا كان هناك تحرك حكومي بإنشاء إدارة خاصة بمكافحة التطرف الديني، تعمل بآليات مكافحة المخدرات نفسها في وزارة الداخلية، وتكون بإدارة الوزارة وبعيدة عن وزارة الشؤون الإسلامية، التي أثبتت فشلها في التعاطي مع كارثة التطرف الذي يعد المرحلة السابقة للإرهاب، فمعركتنا الحقيقية هي مع التطرف الديني، ومتى نجحنا في محاصرته والقضاء عليه فسيتلاشى الإرهاب وينهزم؛ لأننا بكل بساطة قطعنا حبله السري الذي يتغذى منه، وهذا لن يكون إلا إذا وصلنا إلى مرحلة إقناع أطفالنا بأن يفروا من المتطرف كما يفروا من مروجي المخدرات ومتعاطيها.
الإثنين، ٢٩ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ – جريدة الحياة