منذ اندلاع الثورات العربية وهناك مجموعة من البشر رفعت الرايات الحقوقية، لتحقيق مآرب سياسية، وهي العمل على زعزعة الأنظمة السياسية في المنطقة، ومنها على وجه التحديد السعودية، وتم تجيير العمل الحقوقي لتنفيذ ذلك الهدف من خلال حملات منظمة، ظاهرها حقوقية وباطنها عمل سياسي، تنظمه وتديره وتنفذه تلك المجاميع البشرية الطارئة على العمل الحقوقي، التي لم تكن قبل الثورات العربية ومواقع التواصل الاجتماعي شيئاً مذكوراً.
لقد اختزلت تلك الكائنات البشرية العمل الحقوقي في مواجهة الدولة وأجهزتها التنفيذية (ما عدا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، من دون الالتفات إلى أية ممارسة فيها انتهاك لحقوق الإنسان صادرة عن خارج مؤسسات الدولة، سواءً أكانت اجتماعية أم دينية، فهم لا يعنيهم أن يصدر رجل دين فتوى بتكفير شخص، أو الحملات المنظمة ضد إنسان، لمصادرة حقه في التعبير، فكل تلك القصص الصغيرة لا تدخل في حيز نشاطهم الحقوقي، لأن نشاطهم فقط منصب على الممارسات الحكومية، ولا يريدون الاصطدام مع التيار الديني، حتى لا يخسروا جماهيره التي يعولون عليها، لتنفيذ برامجهم، وهذا المنطق هو المنطق السياسي، إذ الموازنات والتحالفات وغياب القيمة المطلقة، التي يقوم عليها العمل الحقوقي الحقيقي، وهذا ما يؤكد أنهم معارضون سياسيون لا حقوقيون.
الحملة المنظمة من التيار الديني المتطرف على طاقم العمل في برنامج سلفي، لاسيما على بطل العمل الممثل القدير ناصر القصبي هو من الناحية الحقوقية، دعوة لمصادرة حقهم في الرأي والتعبير، وكان يفترض بأولئك الحقوقيين والذين يزعمون بأنهم يدافعون عن الحريات وعلى رأسها حرية التعبير أن يدافعوا عن طاقم العمل، وعن حقهم في التعبير، ويبينوا بصراحة أن تلك الحملة إنما هي مصادرة وقمع لحق أساسي من حقوق الإنسان، وهو الحق في التعبير، تماماً كما فعلوا مع بعض رجال الدين الذين تم إيقافهم، لتورطهم في أعمال خارجة عن القانون، أو كاستماتتهم في الدفاع عن متهمين في قضايا إرهابية ومشاركتهم في حملة «فكوا العاني»، حتى وصلت بهم الحماسة إلى أن أطلقوا عليهم معتقلين سياسيين، بل وصل نشاطهم وكرمهم الحقوقي إلى ما وراء البحار، إذ رابعة العدوية ومحاكمات جماعة «الإخوان»، لكنهم عندما كانت الهجمة هذه المرة من التيار الديني الحليف لهم، تغيرت تلك الحسابات واختفت كل الشعارات الكاذبة التي كانوا يرفعونها، فهم لم يكتفوا فقط بالسكوت، بل شارك معظمهم في تلك الحملة التحريضية ضد طاقم العمل والقناة التي تبثه، وألهب حقوقيو الغفلة الهاشتاغات ضد البرنامج وأبطاله، وخلعوا رداء الزيف الذي خدعوا به السذج، ليظهروا أجندتهم الحقيقية وأنهم لا يعدوا أن يكونوا سوى طبقة رديئة من السياسيين اختطفوا العمل الحقوقي، ليستخدموه وفق برامجهم الحزبية.
انتهاك حقوق الإنسان كما أنه قد يحدث من الأجهزة الحكومية، فإنه كذلك قد يحدث من رجال الدين، فمن يصدر فتوى بجواز زواج القاصر أو منع المرأة من العمل أو التمييز الطائفي أو يفتي بتكفير إنسان فهو ينتهك حقوق الإنسان، يجب على من ينشط في حقوق الإنسان أن يدينه تماماً كما يدين الانتهاكات التي قد تحدث من الأجهزة الأمنية، وهذه حقيقة بسيطة لم يدركها نشطاء الثورات العربية، الذين لا يعرفون حقوق الإنسان إلا في سياق جماعة «الإخوان المسلمين» ومرسي وقداسة مركز الإرشاد في المقطم.
الإثنين، ٢٢ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ – جريدة الحياة