في أحد اللقاءات التي عقدها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مع مجموعة من المهتمين بالشأن العام في جدة، قام أحد الأشخاص بفتل عضلاته النضالية، متباكياً على التضييق على الحريات العامة، من خلال إغلاق مجموعة من المخيمات، التي وصفها بأنها دعوية، والتي – على حد زعمه – يحتاجها المجتمع، لاسيما شريحة الشباب التي اختطف الوصاية عليهم والتحدث باسمهم، فكان رد الأمير واضحاً وحاسماً، جاء بلغة رجل الدولة بعيداً عن العواطف والمجاملات، مؤكداً أن تلك المخيمات لم تمنع وإنما نُظمت، وأن القائمين عليها لا يريدون التنظيم وإنما يريدون الفوضى السابقة، إذ إن العملية تكون بإرادتهم، يفعلون ما يريدون، ويقيمون تلك المخيمات والمناشط كيفما يشاؤون، ويأتون بمن يريدون بعيداً عن سلطة الدولة وسيادتها، وساق الأمير تجربته في إمارة عسير، وكيف أنهم اكتشفوا بعضاً من تلك المخيمات التي توصف بأنها دعوية تنظم عمليات تدريب على السلاح، ومع هذا يأتي من يتباكى على تنظيمها وفق مفاهيم وأطر الدولة، التي لا يمكن أن يكون هناك نشاط يتم إلا تحت أحكام القوانين السارية فيها.
هذه الحادثة وغيرها، تؤكد أن الأخوة الغلاة وجماعات الإسلام السياسي لديها مشكلة عميقة مع التنظيم والقانون؛ لأنه يعيق حركتها ويمنع وسائلها لتجنيد الشباب وغسل أدمغتهم، من خلال أنشطتهم التي يريدونها دائماً بعيدة عن القانون ورقابته، ومتى ما اصدموا به فإنهم يشنون حملات منظمة لكسره تماماً، كما فعلوا مع قرارات منع جمع التبرعات إلا من خلال المؤسسات الرسمية، والذي جفف مواردهم فاستبسلوا في مواجهته وإسقاطه على مدار أعوام، حتى خسروا المعركة عندما تحركت أجهزة الدولة وتعاملت مع الملف بصرامة وحسم.
الأمر نفسه يكررونه اليوم مع المخيمات وأنشطة غسل الأدمغة؛ بهدف التجنيد والتأثير في شريحة الشباب المتنامية في المملكة، وكانت آخر حيلهم – الحمل خارج الرحم – بأن قاموا بنقل تلك الأنشطة الحزبية إلى دول خارجية، ويكون الاستقطاب من الداخل من شريحة الشباب، ومن خلال برامج سياحية غير قانونية، وخير مثال على ذلك ما قامت به إحدى المنظمات التي تصف نفسها بالعالمية (منظمة أجنبية غير مصرح لها في السعودية)، بإعلان برنامج سياحي مدفوع الثمن، مما يعني أنه عمل تجاري محكوم بأنظمة السياحة في الدولة، ومع ذلك لا يوجد لها ترخيص لممارسة مثل هذا النشاط التجاري، ويتم الترويج لهذا البرنامج القائم على مجموعة من المحاضرات لبعض الوعاظ السعوديين والمكان في تركيا، إذ الخضرة والوجه الحسن، مما يعني هجرة تلك المخيمات التي كانت تقام أيام الصحوة في فترة التسعينات من أبها والطائف إلى ربوع تركيا، مع أن الأهداف والبرامج هي واحدة لم تتغير، وهي التجنيد المكثف للشباب وفق أجندة تلك التيارات الحزبية وإن كان هناك تغير طفيف فهو إدخال العنصر النسائي، إذ إن تلك المخيمات مُشرَعة أبوابها للجنسين من سن الـ18 إلى الـ40، ومما يؤكد أن الهدف هو التجنيد هو أن عملية الاختيار تقوم على الفرز والتمحيص، فليس كل من يقدم أوراقه عليهم يتم قبوله بشكل آلي، وإنما الاختيار يتم وفق آليات الجماعة ومعاييرها.
هل نظامنا القانوني بهذه الهشاشة حتى يتم اختراقه بهذه السهولة وفي رابعة النهار وأمام أجهزة الدولة ونظرها؟ هذا السؤال الذي أضعه أمام كل مسؤول في الدولة له مساس بهذا الملف؛ لمعالجته والتعاطي معه وفق القانون، حتى لا نلدغ من الجحر ذاته مرتين.
الإثنين، ٦ يوليو/ تموز ٢٠١٥ – جريدة الحياة