على حد علمي المتواضع والبسيط في شؤون الاستقدام، فإنه لا يوجد «تأشيرة داعية» ضمن تأشيرات العمل المسموح الاستقدام عليها للعمل في السعودية، ومع ذلك نجد كثيراً من الوافدين يعتلون المنابر ويمارسون أعمال الدعوة، إضافة إلى بقية الوظائف الدينية، من إمامة الصلاة في المساجد وأذان وتحفيظ للقرآن وإصدار الفتاوى العامة والخاصة، ناهيك عن الأعمال الدينية المساندة، مثل الاحتساب الأهلي والرقية وتفسير الأحلام، مع أن مهنة «داعية» من أكثر المهن التي حققنا فيها اكتفاء ذاتياً في السعودية، إلى درجة أننا وصلنا إلى تصدير الدعاة إلى الخارج، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق؛ إذا لم تكن الأنظمة في السعودية تسمح بإصدار «تأشيرة داعية» فما هو السند القانوني، الذي على أساسه سُمح للوافد بتأشيرة عمل على وظيفة معلم رياضيات مثلاً، أو جاء بناء على نظام الاستثمار الأجنبي؛ أن يمارس عملاً مغايراً لطبيعة العمل الذي قدم إلى المملكة لأجله؟ والسؤال الأكثر دقة؛ ألا يعد ذلك مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل؟ وبالتالي يفترض أن يكون ضمن اهتمام وزارة العمل والداخلية، لملاحقة مخالفي العمل النشطة هذه الأيام، وأن تطبق بحقهم وبحق كفلائهم العقوبات التي أصدرتها وزارة الداخلية في شأن المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل؟ هؤلاء الدعاة المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل لم يكتفوا فقط بممارسة مهمات الدعوة والوعظ، بل تجد بعضهم ناشطاً في حملات مواجهة التغريب والاختلاط وتأنيث المحلات النسائية التي يقوم بها بعض الإخوة الغلاة ضد البرامج التنموية في البلد، إضافة إلى احتراف بعضهم جمع التبرعات في المواسم الخيرية أو في مواسم الحروب والنزاعات المسلحة من دون حسيب أو رقيب.
أعتقد أنه من المهم أن تهتم وزارة العمل، وكذلك وزارة الشؤون الإسلامية، بسعودة وظائف الدعوة وما يلحق بها من وظائف دينية مساندة، لأن الأمر إذا استمر على هذه الوتيرة تطور من «تأشيرة داعية» إلى «تأشيرة محتسب»، لنصل إلى استقدام محتسبين «محترفين» يشاركون زملاءهم المحتسبين المحليين الطلعات الاحتسابية في معرض الكتاب وغيره من مواطن الاحتساب، والأخطر أننا قد نصل إلى حال من البطالة تضرب أطنابها بين المحتسبين والدعاة الوطنيين، فلا يجد أحدهم إلا مواقع التواصل الاجتماعي يمارس فيها الدعوة والاحتساب، وتقفل أمامه سوق العمل الدعوي في ظل مزاحمة الدعاة والمحتسبين الوافدين، ولاسيما أن هذه المهن بالذات من أكثر المهن التي تفرزها مؤسساتنا الأكاديمية وغيرها، حتى أصبح لدينا في كل بيت داعية ومفتٍ ومحتسب.
تم نشره في جريدة الحياة عدد الجمعة الموافق 20 مارس 2015