في الثاني من آب (أغسطس) من عام ١٩٩٠ استيقظ العرب على فاجعة غزو صدام حسين لدولة الكويت وحشد قواته في اتجاه الحدود السعودية، الأمر الذي أدخل الجميع في ارتباك ودوامة لا تنتهي من المواقف المتباينة التي في معظمها لم تدرك هول وعظم ما حدث في تلك الليلة الكئيبة، وتشكلت يومها جبهة سياسية كان من بينها دول عربية وشخصيات إسلامية وجماعات كانت إحداها جماعة الإخوان المسلمين، وكان الهدف من وراء تلك الجبهة شرعنة الاحتلال وإدخال الأزمة الكويتية في دهاليز سياسية لفرض الأمر الواقع والتصدي لأي محاولة لإخراج المحتل العراقي بالقوة من دولة الكويت، وكانت الحجج دائماً هي الحفاظ على تلاحم الصف العربي ووحدته وتغليب لغة العقل والتفاوض لإيجاد حل سياسي للأزمة، إلى آخر تلك الشعارات الجوفاء التي لم تكن تتلاءم وخطورة الأزمة على دول الخليج، وتطوع العديد من أعضاء تلك الجبهة لتقديم مبادرات سياسية وتوسط لدى الجانب العراقي لحل الأزمة سياسياً، بهدف إطالة الوقت ومساعدة الرفيق صدام حسين في الاحتفاظ بالكويت وتنفيذ أطماعه الدفينة بالتهامها ومواصلة مشروعه التوسعي بالوصول إلى منابع النفط في السعودية ومن ثم توزيع الغنائم على بقية الرفاق في جبهة الضد العربية، إلا أن من سوء حظهم أن رجلاً عظيماً كان يومها يعتلي عرش السلطة في المملكة، وكان واعياً ومدركاً لما وراء تلك التحركات والمبادرات والشعارات الجوفاء التي تطلق في الهواء؛ فاتخذ قراراً تاريخياً باستدعاء جيوش الأرض لإخراج الغازي من أرض الكويت، وحماية سيادة وطنه واستقلاله، ولم يلتفت الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله لكل تلك الشعارات، ولم يقع في شراك الجري خلف سراب الحلول السياسية أو رومانسيات الرفاق، فكان له ما أراد وطرد الغزاة بالقوة، وتحررت الكويت، وحميت أرض المملكة في موقف من أخطر المواقف التي مرت على الدولة في عصرها الحديث.
مناسبة استحضار ذكريات أزمة الخليج في هذا التوقيت هو الشبه الشديد بين ما حدث يومها من ضجيج على السعودية في حماية أمنها الوطني ودفاعها عن سيادة الكويت، والضجيج المتعالي هذه الأيام ضد مصر بسبب الضربات الجوية التي نفذتها ضد أوكار داعش في ليبيا بعد إعدام المواطنين المصريين بطريقة بشعة، فتجد الخطاب ذاته والوجوه ذاتها والجماعات ذاتها بسلالات جديدة، إلا أن الخطاب واحد لم يتغير طوال تلك العقود من الزمن، فهم يحاولون منع مصر من حماية سيادتها بحجج منها وجوب تغليب الحلول السياسية وجمع الفرقاء والتباكي على المدنيين وبقية اللافتات البراقة المخدرة التي تهدف بالدرجة الأولى لتصفية فواتير سياسية ضد مصر بالذات، بدليل أن الإجراء ذاته قام به الأردن بعد استشهاد الطيار الكساسبة ولم نسمع عويلاً من تلك الأبواق، مع أن الدوافع والقواعد القانونية كانت واحدة، كما أننا لم نسمع من بعض الدول التي تنزلت عليها الشفقة على المدنيين فجأة يوم كانت قوات الناتو تدك المدنيين في ليبيا، بل كانت مشاركة فيها و«مفتي الناتو» ينشر فتاواه بالقتل وشرعنته من أراضيها.
القرار الذي اتخذته القيادة المصرية كان قراراً منطقياً لكل قيادة تستشعر المسؤولية أمام شعبها وتعي أن السيادة الوطنية لا تتعلق فقط بالأرض وإنما تمتد إلى حماية كل من يحمل جنسية الدولة فوق كل أرض وتحت كل سماء، وأن حماية مواطني الدولة واجب عليها من دون مراعاة لأية اعتبارات سياسية ومن دون الدخول في أية مفاوضات أو مبادرات حول دماء المواطنين أو أمنهم، لاسيما أن حق الدفاع عن النفس حق تكفله قواعد القانون الدولي لأي دولة تنتهك سيادته ويهدد أمن رعاياها.
لم تلفت القيادة المصرية لمشاغبات الصغار ولم تقع في شراك وحيل المعارضين، وإنما اتخذت قرارها وفق مصالحها القومية تماماً كما فعل الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، وهنا تكمن عظمة القائد في الأزمات الكبرى.
نشرت في جريدة الحياة يوم الأثنين 4 جمادي الاول 1436 هـ – 23 فبراير 2015