شهدت الأيام القليلة الماضية ثلاثة أحداث شكلت مادة ثرية للأخبار، وأخذت مساحة كبيرة من الاهتمام على الصعيد الشعبي والنخبوي، جاء على رأس تلك الأخبار حادثة اغتيال الناشط والمحامي التونسي شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطي التونسي الذي هزّ المجتمع التونسي، حتى إن هناك من وصف الحادثة بأنها النسخة الثانية من قصة البوعزيزي التي فجرت الثورة التونسية لكنها هذه المرة ضد حكم حزب النهضة الإسلامي و(أعوانه) من بقية الفصائل الإسلامية المتطرفة، والمتهمة بتنفيذ حادثة اغتيال شكري بلعيد، ثم يأتي الحدث الثاني من مصر؛ حيث أصدر مولانا الشيخ محمود شعبان فتوى تجيز قتل أقطاب جبهة الإنقاذ المعارضة تأسيساً على أنهم خارجون على الإمام، وأن مصر لن يصلح حالها إلا بعد أن يقام فيها حكم الحرابة الذي طبعاً سيكون موجهاً لمن هم خارج سياج الجماعات الإسلامية التي تتقاسم الحكم هناك، خاتمة الأحداث الثلاثة جاءت على لسان واعظ سعودي حيث قال محمد العريفي وعبر شاشة فضائية الجزيرة الناطق شبه الرسمي لإخوتنا في جماعة الإخوان المسلمين: إن جماعة القاعدة (المسلحة) ليست متساهلة في الدماء والتكفير، وإنه تم إلصاق كثير من التهم بها وبأتباعها، إلا أن أخانا العريفي سرعان ما تراجع وتاب بعد أن قرأ عن أكبر تنظيم إرهابي إسلامي جعل الكرة الأرضية ساحة مفتوحة لعملياته، ولا يمر أسبوع دون أن تمر جريمة له بصماته الخاصة فيها، ومع هذا احتاج الداعية العريفي لأن يقرأ (بعد أن أوعز له أن يقرأ) حتى يكتشف حقيقة تنظيم القاعدة.
الأحداث الثلاثة وإن جاءت متباعدة جغرافياً إلا أنها تنتظم في سياق واحد لتوصلنا نحو حقيقة يبدو أن البعض يحاول أن يتجنبها أو يؤجل مواجهتها، وهي أن جماعات الإسلام السياسي بكل فصائلها لا يمكن أن تقبل بفكرة المشاركة في العمل السياسي والمدني، أو أن ترضى بأن يزاحمها أحد في العمل العام، وبالتالي فإنه من الخطورة التحالف معهم أو الاعتقاد بأنه يمكن إقامة شراكة وطنية مع أناس لهم مفاهيمهم الخاصة في الوطنية والحرية، لأنهم ببساطة لم يحسموا قضايا مركزية تشكل البنية الأساسية لأي عمل مدني وسياسي مثل العنف وأدواته والتحريض عليه كسيل فتاوى التكفير التي أدت بحياة شكري بالعيد في تونس، وتهدد قادة المعارضة المدنية والمعارضين للإسلاميين في مصر، حتى إن تنظيماً كالقاعدة الذي يرتكز بناؤه الفكري على التكفير المشرعن للتفجير أصبح فيه قولان مما حدا بجماعات العنف الإسلامي أن تستفيد من أجواء ما بعد الثورات لتخرج من معسكراتها تحت الأرض وترفع راياتها السود في الحراك المدني دون أن تعلن تخليها عن نظرية العنف بشكل قاطع، كل ما هنالك أن الخطاب تم تعديله قليلاً لتكون فوهة البندقية موجهة في هذه المرحلة للخارجين على الشرعية التي يحتكرها إخوتهم في الله في جماعة الإخوان المسلمين التي بدورها تتغاضى عن تلك الممارسات المتطرفة على قاعدة (لم آمر بها ولم تسؤني).
جماعات الإسلام السياسي لم تحسم أيضاً رأيها في قضايا أساسية أخرى كمفهوم الحرية والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان وغيرها من ركائز العمل المدني، ومن هنا تأتي خطورة التحالف أو الوثوق بفصيل زئبقي ما زال ينهل من معين يحتمل الشيء ونقيضه، فقد يدين العنف الآن لأسباب تكتيكية لكنه يمكن أن ينبش في التراث ليشرعن له أو حتى يتماهى معه متى ما تغيرات قواعد اللعبة السياسية، كما أن مشروع تلك الجماعات الإسلامية يمثل كتلة خرسانية لا تقبل الجدل فيه حتى في أدق التفاصيل، لأنهم أسسوه على فرضية أنه مشروع إلهي ناجز لا يجوز التفاوض حوله، وإن قبل بعضهم مبدأ تأجيل بعضه إلى مهلة (التمكين) الكامل.
إن التحالف مع مثل تلك الجماعات هو كمن يرضى بأن يدخل مباراة كرة قدم وهو يعلم أن أفراداً من فريقه لن يطبقوا قواعد كرة القدم وإنما سيطبقون قواعد لعبة الركبي بحذافيرها، ولك أن تتخيل أي نتيجة ستسفر عن تلك المباراة المجنونة التي تحكمها قواعد متباينة.