أثار قرار وزير العمل الأخير بزيادة رسوم رخص العمل ردود فعل مثيرة ومتباينة في الأوساط التجارية والاقتصادية والقانونية وتجاذبته عدة اتجاهات بين القبول والرفض ، وسنركز في هذه الدراسة على الجانب القانوني من قرار الوزير ، و نحاول أن نبين ؛ هل كان القرار موافقاً لصحيح القانون ملتزماً بنصوصه ؟ أم كان خروجاً على قواعده وتنكراً لها بغض النظر عن أي الاعتبارات الاقتصادية أو التجارية أو الاجتماعية للقرار.
ابتداءً لا بد من نذكّر بالمسلمة القانونية التي مفادها؛ أن النظام الأساسي للحكم وبقية الأنظمة الأساسية الصادرة بأمر ملكي تمثل بمجموعها قواعد دستورية لا يجوز اختراقها أو تجاوز أحكامها من قبل النصوص الأقل درجة منها ، سواءً كانت تلك النصوص القانونية صادرة بمرسوم ملكي ، أو كانت صادرة بقرار من مجلس الوزراء ، أو كانت صادرة بقرار وزاري ، وفقاً لقاعدة “تدرج القاعدة القانونية” فكافة النصوص القانونية الصادرة ممن يملك صلاحية التشريع لابد من أن تكون متوافقة مع أحكام النظام الأساسي للحكم وإلاّ أصبحت نصوصاً غير قانونية أو بالمعنى الأدق (غير دستورية).
والنظام الأساسي للحكم رسم المعالم الأساسية للدولة وحدد مؤسساتها وآليات عملها والأدوات القانونية التي تستخدمها لممارسة سلطاتها ، ومتى ما خرجت تلك المؤسسات عن نطاق الاختصاص الذي رسمه لها القانون فإن أعمالها تغدو باطلة بطلانا مطلقا أي أنها تعد و العدم سواء ولا ترتب أي أثار قانونية .
ومن القواعد الأساسية التي أوضحها النظام الأساسي للحكم: القواعد المتعلقة بفرض الرسوم حيث نصت المادة العشرون منه على أنه “لا تُفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاءها أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام” والمقصود من مفردة (النظام) الواردة في النص هي القرار الصادر ممن يملك سلطة إصدار الأنظمة وهو مجلس الوزراء ومجلس الشورى (مجتمعين) فلابد حين فرض رسم أو ضريبة أن يكون بنظام أو مستنداً لنظام صادر بمرسوم ملكي بناءً على قرار من مجلس الوزراء وقرار من مجلس الشورى ، وإلاّ أصبح قرار إصدار (الرسم) باطلاً لمخالفة القانون.
وباستعراض نصوص النظام الأساسي للحكم نجد أنه نص في مواد متعددة بشأن طائفة من القضايا الأساسية وأحال إلى بيان تفاصيلها إلى (أحكام النظام) ومن ذلك ما جاء في المادة السادسة والثلاثين والتي جاء فيها ( ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام) والمادة الخامسة والثلاثين والتي جاء فيها (يبين النظام أحكام الجنسية العربية السعودية) والمادة التاسعة والخمسين (يبين النظام أحكام الخدمة المدينة) وغيرها من النصوص المشابهة التي تبين و بجلاء أن كل الأمور المشمولة بتلك النصوص لا يمكن تنظيمها إلا بقانون يصدر وفق الشكليات التي رسمها النظام الأساسي للحكم ، و من المؤسسة التي منحها القانون سلطة إصدار التشريعات وهي مجلس الشورى ومجلس الوزراء (مجتمعين ) وفقا لما أسلفنا ، وأن يكون صدور النظام قد تم بالأداة القانونية التي حددها القانون وهي (المرسوم الملكي) المبني على قرار من مجلس الشورى وآخر من مجلس الوزراء، حيث تنص المادة (السابعة والستون) من النظام الأساسي للحكم على: (تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح، فيما يحقق المصلحة، أو يرفع المفسدة في شئون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، وتمارس اختصاصاتها وفقاً لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى).
وجاء في المادة (السبعون) ما نصّه : (تصدر الأنظمة، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، ويتم تعديلها بموجب مراسيم ملكية).
ونصت المادة (20) من نظام مجلس الوزراء على : (مع مراعاة ما ورد في نظام مجلس الشورى تصدر الأنظمة، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، وتعدل بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الوزراء).
ونصت المادة (الثامنة عشرة) من نظام مجلس الشورى على : (تصدر الأنظمة، والمعاهدات، والاتفاقيات الدولية، والامتيازات، وتُعدل بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الشورى).
وعليه فإنه لا يجوز لأي من المؤسستين (مجلس الوزراء و مجلس الشورى) أن تنفرد بالتشريع وإنما يكون إصدار التشريعات بالمشاركة بينهما وتتوج قراراتها بمراسيم ملكية حتى توافق صحيح القانون.
ومن الإجراءات القانونية الأساسية لإصدار الأنظمة علاوة على ما سبق؛ أن يتم نشرها في الجريدة الرسمية (جريدة أم القرى) ولا يمكن أن تسري الأنظمة وتحدث الأثر القانوني إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية حيث نصّت المادة الحادية والسبعون من النظام الأساسي للحكم على: (نشر الأنظمة في الجريدة الرسمية وتكون نافذة المفعول من تاريخ نشرها ما لم ينصّ على تاريخ آخر).
وحيث أن النظام الأساسي للحكم قد وضع أسس فرص الرسوم ورسم حدوده وضوابط؛ فوجب لذلك أن يكون إجراءه على مقتضي هذه الحدود والضوابط، وإلا كان مخالفاً لأحكام النظام الأساسي للحكم ومن ثم يقع منعدماً مفتقداً للشرعية القانونية.
لما كان ذلك و كان قرار وزير العمل محل هذه الدراسة القاضي بزيادة رسوم رخصة العمل إنما هو قرار كاشف جاء تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء رقم (353) وتاريخ (25/12/1432هـ) والذي نص في البند ثانياً منه على: “يستحصل مقابل مالي (غير مسترد) من كل منشأة من منشآت القطاع الخاص قدره (200) مائتا ريال شهرياً لمصلحة صندوق تنمية الموارد البشرية وذلك عن كل عامل واحد يزيد على عدد العاملين السعوديين فيها ويكون ذلك مقدماً وبشكل سنوي عند إصدار رخصة العمل أو تجديدها”
وحيث أن مضمون المادة السابقة هو (فرض رسوم) وبالتالي فهي محكومة بالمادة العشرين من النظام الأساسي للحكم والتي حددت ضوابط وآليات فرض الرسوم ومن بينها أن تُصدر (بنظام) وحيث أن مجلس الوزراء لا يملك سلطة إصدار الأنظمة منفردا عن مجلس الشورى بل لابد لأي نظام حتى يستكمل الشكلية الدستورية أن يصدر بثلاثة وثائق (مرسوم ملكي وقرار من مجلس الوزراء وقرار من مجلس الشورى) وكما أن ذلك ينطبق على إصدار الأنظمة؛ فهو كذلك ينطبق على الأمور التي نص النظام الأساسي للحكم بأنها تنظم بذات الآلية التي يتم فيها إصدار الأنظمة ومنها فرض الرسوم والضرائب.
وحيث أنه بمراجعة الجريدة الرسمية للدولة (جريدة أم القرى) والتدقيق بالأعداد من (4386) وتاريخ الجمعة 7/1/1433هـ إلى العدد (4435) وتاريخ يوم الجمعة 24/12/1433هـ تبين عدم نشر قرار مجلس الوزراء رقم (353) وتاريخ 25/12/1432هـ
وحيث أنه متى كان ما تقدم وكان قرار مجلس الوزراء رقم (353) وتاريخ (25/12/1432هـ) والذي بموجبه تم فرض زيادة رسوم رخص العمل لم يُسند بمرسوم ملكي ولا بقرار من مجلس الشورى بل انفرد مجلس الوزراء بتنظيم أن أأمر لا يملك قانوناً سلطة تنظيمه منفرداً؛ فإن قرار مجلس الوزراء رقم (353) وتاريخ (25/12/1432هـ) جاء مخالفاً لصريح أحكام النظام الأساسي للحكم وعلى وجه الخصوص المادة (العشرون) وعليه ؛ فإن القرار المذكور يُعد منعدماً ولا يمكن أن يحدث أثراً قانونياً على المكلفين أو أن يغير مراكز قانونية مستقرة.
ولما كان ذلك وكان القرار الصادر من مجلس الوزراء والذي استند إليه معالي وزير العمل قراراً منعدماً فإنه يجوز لكل ذي صفة أن يخاصم ذلك القرار أمام ديوان المظالم ويطالب بإلغائه وذلك وفق القواعد القانونية التي حددها نظام ديوان المظالم .
وكل ما ينطبق على (الرسوم الجديدة) فهو بالضرورة ينطبق على الرسوم القديمة؛ فمتى كانت قد فرضت بذات الآلية القانونية التي فر ض فيه الرسم الجديد ولم تكن استكملت الشكلية القانونية؛ فإنه يصيبها ذات العوار القانوني الذي أصاب قرار مجلس الوزراء المذكور ويجوز لكل من دفعها والحالة هذه أن يرجع على الوزارة و المطالبة (قضائياً) باسترجاع تلك المبالغ ؛لأنها حُصَِلت بشكل مخالف للقانون .
المحامي و المستشار القانوني
عبدالرحمن محمد اللاحم