وأنت تقرأ تفاصيل حادثة وفاة الفتاة في جامعة الملك سعود الأسبوع الماضي (رحمها الله رحمة واسعة) تشعر بأنك تقرأ عن معتقل شديد التحصين لا عن مؤسسة أكاديمية، فالإجراءات (الأمنية) المشددة حالت دون وصول فرق الإسعاف ودخولها ذلك الحصن المنيع، وإعطائهم فرصة لأن ينقذوا نفساً بشرية دخلت إلى ذلك المعتقل طالبة العلم والمعرفة وخرجت منه جثة هامدة، لأنها لم تجد مَن يُنقذها؛ فالمنقذون كانوا محبوسين خارج تلك الأسوار المنيعة، يتوسلون الإذن لهم حتى لا تُخدش الفضيلة المزعومة.
إننا أيها السادة مازلنا نتنازع حول مبدأ بسيط هو من ضروريات الشريعة الخمس، حيث حماية النفس البشرية التي قدستها الشريعة وعاقبت بصرامة كل مَن يعتدي على حرمتها، ومع ذلك كله تتردد إدارة الجامعة في أن تسمح للمسعفين بالدخول إلى حرم الجامعة وإنقاذ تلك الفتاة من أجل أكاذيب صنعناها وألصقناها زوراً وبهتاناً بالشريعة التي لا علاقة لما حدث بها على الإطلاق، وإنما هي أوهام تورَّمت في أذهاننا حتى امتلكتنا وأبعدتنا عن روح الشريعة ومقاصدها.
ومن ثم يخرج متحدث الجامعة بكل صفاقة وجه ليبرر ويتحايل ويخالف ما قاله من كان شاهداً وحاضراً الواقعة، لمجرد أن يبرِّئ ساحة مؤسسته وإجراءاتها المترهلة التي تليق بمعتقل لا بمؤسسة أكاديمية.
ما حدث في جامعة الملك سعود يتعدى كونه حادثاً عرضياً ومخالفة إدارية إلى بلوغه منطقة (الشبهة الجنائية) متى ما ثبت بعد التحقيق في الحادثة من قِبل الجهات الجنائية المعنية وجود حالة (إعاقة) لفريق المسعفين الطبيين، وكانت تلك الإعاقة سبباً في تأخر إنقاذ الفتاة، وفي هذه الحالة تقع المسؤولية (الجنائية) على كل مسؤول إداري شارك أو أسهم بشكل مباشر أو غير مباشر (عن طريق إصدار التعليمات على سبيل المثال) في تلك الحادثة، ولن ينفعهم في هذه الحالة التترس خلف فتوى أو رأي أو تعميم، لأننا نتحدث عن إزهاق روح طاهرة، ومَن لم يعِ قداستها فهو غير مؤهل لأن يجلس على كرسي إدارة مؤسسة أكاديمية تتعامل مع بشر، لهم حقوق وعلى رأسها حقهم في الحياة. حادثة الفتاة ستجعل أيدينا على قلوبنا عندما نرسل بناتنا إلى مدارسهن كل صباح، فقد تتكرر الحادثة ذاتها، أو قد تحترق مدارسهن ويُمنع رجال الإطفاء من دخولها ولا يُسمح لهن بالخروج بلا محرم، حتى تتفحَّم أجسادهن، ومن ثم يخرج إلينا ذات المتحدث ليذكرنا بأن ما حدث لا يعدو أن يكون سوى (قضاء وقدر) ويُطوى الملف كما طوي غيره.