اصطحب أحد المبتعثين زوجته إلى أحد المستشفيات الكبرى في المدينة التي يقيم فيها بأمريكا لعمل تخطيط كهربائي للدماغ للتأكد من شفائها من حالة الصرع التي كانت تعاني منها، وفور دخولها غرفة الفحص؛ بدأت الممرضة المختصة بشرح العملية للزوج ليقوم بترجمته لزوجته التي لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية، وبعد أخذ موافقتها بدأت الممرضة بتوزيع الأسلاك الموصولة بالجهاز والمنتهية بملصق مطاطي على رأسها، بينما ارتمى الزوج على أحد الكراسي التي كانت ملقاة في الغرفة ممسكاً جهازه النقال يتابع الأحداث الساخنة الدائرة في وطنه، والصراعات الملتهبة حولها في (تويتر)، وفي كل مرة كانت الممرضة تريد وضع أحد تلك الملصقات على رأس المريضة؛ كانت تلتفت إلى الزوج وتخبره بالخطوة التالية وأنها بعد ثوانٍ ستضع الملصق المشبع بمادة (الجل) وأنه سيكون بارداً، ومن ثم تطلب منه الترجمة للمريضة حتى تعطيها الإذن بتنفيذ العملية، وذلك تنفيذاً لمعايير مهنتها، وكان صاحبنا يترجم لها بشكل آلي غير مكترث بتلك التفاصيل الصغيرة التي كانت تشغله عن نضاله في (تويتر) ضد تيار التغريب الذين يتهجمون على الدعاة والمصلحين، حيث كان ذلك المبتعث ناشطاً في معركة التغريب التي قالوا له إن رحاها تدور في وطنه، فأصبح يتتبع بعض الأسماء التي كانت تسيء إلى المشائخ والدعاة ويقوم بعملية اقتحام لمنشآتهم ولصق الجملة الشهيرة (زكي جمعة تاج راسك)، إلا أنه ضجر من إلحاح الممرضة بأن يترجم لزوجته ذات الجملة المكررة، فقام هو من تلقاء نفسه ودون الرجوع إلى زوجته بإعطائها الإذن بأن تضع أسلاك الجهاز على رأسها، عندها توقفت الممرضة عن العمل، وتوجهت له لتخبره بكل صرامة بأن السؤال كان موجهاً للمريضة، ويجب أن تكون الموافقة منها، وأن دوره ينحصر (فقط) في الترجمة، ثم أعادت عليه السؤال وطلبت منه ترجمته لزوجته الممددة على السرير، فما كان منه بعد أن رأى صرامتها إلا أن يذعن لإرادتها، لكنه لم يدرك سبب غضبها، لأنه يعتقد أنه يمتلك جسد زوجته ويفترض أن الموافقة تصدر منه، لا من تلك (الحرمة) التي لا تملك من أمرها شيئاً.
جميلة هي حكايات المبتعثين التي تؤكد أن برنامج الابتعاث ليس مجرد دراسة في جامعات ومعاهد أكاديمية وحسب، وإنما هي فرصة للمبتعثين حتى يتعايشوا مع قيم ومبادئ إنسانية مجردة من خلال تجارب إنسانية أوجدت حضارة حقيقية يمكن لمسها، وليست أوهاماً يتناقلها (المتفيهقة) من منظري مشاريع النهضة الذين لا تتجاوز كلماتهم أضابير كتبهم.