يحكي لنا كتاب (عجائب الزمانٍ لابن الزعفراني) كما يرويها المبدع حسين عبدالرضا في مسرحية (على هامان يا فرعون) بأن قرية (الحُصيْنة) شهدت سبع سنوات عجافاً، وهزتها أزمة اقتصادية طاحنة بسبب نقص المخزون من (الدجاج) وبعد أن تذمر أهل القرية إلى الوالي؛ اكتشف أن اللص الذي كان يسرق الدجاج هو (أبا الحصاني) مع أنه كان كريما شجاعا إلا أن يده كانت (خفيفة) فما أن استدعاه الوالي أمام الناس حتى بصق الوالي في وجه (أبا الحصاني) وسجنه حتى خاس ومات، وأصبحت قصته نادرة تروى، وأصبحت أنموذجا لمن يمتهن السرقة من ذوي الياقات البيضاء التي تعني سرقات الوجهاء وكبار القوم.
وشخصية (أبا الحصاني) لم تكن مجرد شخصية كاريكاتيرية ابتدعها خيال مؤلف المسرحية فحسب، وإنما هي شخصية تخترق الزمان والمكان مع التغيرات الاجتماعية والثقافية؛ فمفهوم السرقة لم يعد محتكرا فقط في المعنى التقليدي المتعارف عليه؛ حيث الاستيلاء على ملكية الأشياء العينية الملموسة، وإنما ابتكرت البشرية مفاهيم جديدة لمصطلح السرقة ليشمل أيضا السطو على المنتجات الفكرية، فابتكرت مفهوم (حماية الملكية الفكرية) التي لم تكن موجودة في تراثنا؛ حيث كان الفقهاء يتناقلون كتابات وإبداعات من سبقوهم دون الإشارة إلى مصدره ودون أن يستشعر الفقيه حرجا شرعيا في ذلك، لأنه يعتقد – وفي ظل ندرة الكتب – أنه بذلك ينشر نتاج الغير ويشيعه في الآفاق لكن هذا المبدأ – مع اختراع الطباعة – لم يعد موجودا وأصبحت الفكرة محمية سواء كانت نتاجا أدبيا أو فنيا أو علميا لا يجوز المساس بها أو سرقتها ومن يفعل ذلك فإنه يصبح نسخة مكررة من (أبا الحصاني) لا يختلف عنه سوى في طبيعة المادة المسروقة، والرابط بينهما الاستهانة بالملكية التي تعد حمايتها من أبجديات القانون وضرورياته.
ولو فتشنا عن (أبا الحصاني) في مجتمعنا لوجدنا نسخا متعددة منه، أغراهم المال وأعمى أبصارهم بريق الشهرة حتى استهانوا بجهود المبدعين واستهانوا قبل ذلك وبعده بأحكام القانون وسلطته، فامتهنوا السطو على نتاج غيرهم في الصباح، والتفرغ للوعظ البارد في المساء، وكأن (أبا الحصاني) يُبعث من قبره من جديد، لكن هذه المرة ليس كـ (بواق دياي) وإنما (بواق كتب).