مكالمة (البشارة بالتوزير) في العالم العربي من أشهر اللحظات التي ينتظرها كثير من الطامحين بكرسي الوزارة، حيث يظلون يحلمون بتلك اللحظة، وأنها آتية لا ريب فيها، وأن المسألة مجرد وقت لا أكثر.
تلك الفئة الحالمة بلحظة التوزير لا يحاولون أن يتعمقوا في أطروحاتهم وكتاباتهم في الصحف ومقابلتهم الفضائية لأنهم يريدون أن يطرحوا أنفسهم كـ (جوكر) صالح لكل وزارة، فأحدهم لا يبرز نفسه كمتخصص في الزراعة والري، لأنه عندها سيضيق من فرص إمكانية تعيينه وزيراً، فليس أمامه إلا وزارة واحدة وهي وزارة الزراعة أو المياه، لذا تجده يتشعب في التنظير من السياسة الخارجية إلى البطالة مروراً بمشكلات الإسكان والسياسة المالية، حتى يكون كشكولاً يحوي كل الخبرات التي تؤهله لأن يشغل أي مقعد من مقاعد الوزراء الراحلين.
واللاهثون خلف (سراب التوزير) من العملاء المفضلين لدى شركات الاتصالات، لأنه لا يمكن أن يتأخر في دفع فواتيره خشية انقطاع الخدمة عن هاتفه مما قد يسبب فوات الاتصال المنتظر، فهو حريص على سخونة خطه على مدار الساعة، لذا فهو «يشيّك» على جواله كل عشر دقائق للتأكد من أنه متصل بالخدمة، ولا يمكن له الجلوس في مكان تكون خدمة الاتصال فيه ضعيفة، فضلاً عن المكان البعيد عن التغطية، وأول تساؤل يطرحه على من يريد أن يدعوه لوليمة أو مناسبة هو عن طبيعة المكان وهل هو مغطى بالشبكة أم لا؟ حتى لا يفوت أي فرصة لالتقاط مكالمة البشارة.
ما سبق كله يكون في الأوقات العادية من السنة أما في حالات الذروة (الموسمية) وهي فترة انتهاء مدة الأربع سنوات لبعض الوزراء أو في حالات الشائعات بتغيير وزاري وشيك؛ فهناك حالة استنفار قصوى يقوم بها الحالمون بكرسي الوزارة يكثفون فيها من عمليات (الترزز) في الإعلام وإلغاء الإجازات خارج المملكة حتى يكون رهن الإشارة في أي ساعة من ليل أو نهار، ويكون التصريح الصحفي الخاص بالتعليق على اختياره وزيراً؛ جاهزاً في جيبه، إضافة إلى وضع (البشت) في شنطة السيارة بعد (كيّه) وتجهيزه للحظة التي طال به الزمن وهو يطاردها.
وبطبيعة الحال كثير من أولئك الحالمين يكتشف في شتاء عمره أنه لم يكن يطارد سوى سراب، وأن حلمه بذلك المقعد الوثير؛ ذهب أدراج الرياح، فلا يجد بُدَّاً من أن يمتطي صهوة النضال من أجل أن «يتماكن» ما تبقى من عمره حتى يكون ضمن (الصورة) فإن فاته التوزير فلن يفوته النضال.