فضيحة الفساد التي هزَّت عرش الخليفة التركي رجب طيب أردوغان؛ لم تتوقف تبعاتها على الداخل التركي فحسب، وإنما هزت جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي وفي الخليج على وجه التحديد، الذي كانت رموزها تسوّق أردوغان على أنه نموذج (الخليفة) المنتظر، وتقوم بالتطبيل له في كل شاردة أو واردة، حتى وصل بهم الأمر إلى الدعوة بكل (وقاحة) إلى مبايعته خليفة للمسلمين، وتكون ديار المسلمين (أمصاراً) وحكامها (ولاة) يُجبى منهم الخراج إلى الخليفة في (أنقرة).
مأزق الجماعة وقادتها أن فضيحة خليفتهم كانت في قضية (فساد)، وهي الورقة التي تلعب بها في مواجهة الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وتستخدمها في عملية التجييش والحشد ضد حكوماتها، لكنها اضطرت إلى أن تتعامل مع فساد الخليفة بمنطق آخر، يناقض كل المبادئ التي كانت ترفعها في السابق، حيث كانت الجماعة تقدم نفسها على أنها جماعة تهدف إلى الإصلاح وتحارب الفساد أياً ما كان لونه أو رائحته، لكنها اضطرت مع فضيحة فساد الخليفة إلى أن تُعيد ذات التبريرات التي ساقها أردوغان؛ بأن هناك قوى أجنبية تستهدف الخليفة، وتُحيك المؤامرات ضده، وهي ذات الشماعة التي رددها القذافي وغيره، التي كانوا يومها يتندرون بها ويسخرون منها.
موقف رموز (ذوات الأربع) يؤكد مجدداً أن تلك الجماعة ليست لديها أي مشكلة (مبدئية) مع الفساد، وحتى مع القمع، وإنما مشكلتها فقط في من يمارس الفساد أو القمع، فإن كان ينتمي للجماعة أو ممن يدعم مشروعها؛ فسيذودون عنه باللسان والسنان، ويزعمون أن مَلَكاً قد بعثه الله ليسدده، ويقومون بتدبيج القصائد في مدحه وأن (الإمارة أتته مُنقادة)، وليس لديهم أي مانع أخلاقي أو ديني في استدعاء ما يستطيعون من نصوص تراثية في دعم موقفهم وتسويقه للعامة، لكنهم وفي مساء اليوم ذاته؛ يُرسلون التغريدات (المستأسدة) في محاربة الفساد والمفسدين، ويتغزلون في الديمقراطية، ويتباكون على أطلالها في (رابعة).
تناقض (ذوات الأربع) وارتباكهم؛ هو ردة فعل طبيعية وهم يرون حصونهم تنهار أمام أعينهم، حصناً وراء الآخر، ويرون عروشهم تتهاوى وأحلامهم تتلاشى في وقتٍ كانوا قاب قوسين أو أدنى من إقامة خلافتهم، وستكون الأيام القادمة حُبلى بمزيد من تلك التناقضات التي ستجرد القوم من عباءة الزيف التي كانوا يتوشحون بها.