منذ بداية الأزمة السورية وهناك محاولات حثيثة من قبل قيادات حركية إسلامية لكسر حظر جمع التبرعات خارج نطاق المؤسسات الرسمية، ويتم دائما استغلال الوضع المأساوي للشعب السوري في تسويق تلك الحملات، والعزف على المشاعر العاطفية للناس من أجل استعادة الفترة الذهبية التي كان المجال مفتوحا فيها لبعض الإسلاميين أن يفتحوا جيوبهم وحساباتهم لتلقي التبرعات دون أي ضابط قانوني أو محاسبي، ومن ثم اكتشف الناس أن بعض تبرعاتهم ذهبت لتمويل عمليات إرهابية راح ضحيتها أبرياء واكتشفنا جميعا أننا كنا ضحية لعملية (نصب) كبيرة مازال أبطالها يحاولون تكرارها ولو بصور مغايرة ولافتات جديدة .
لا يمكن لعاقل أيا كانت ديانته أن يكون ضد إغاثة الشعب السوري ورفع ما أصابه من ضيم و ظلم إلا أن ذلك لا يبرر أن تجذبنا العاطفة لأن نشرع الأبواب لمن يريد أن يتاجر بقضية السوريين المنكوبين لتحقيق أغراض سياسية أو آيديولوجية، وبالتالي فلابد أن يحال بين أولئك الحركيين وبين متاجرتهم بالقضية من خلال الإصرار على «مأسسة» جمع التبرعات من خلال مؤسسات خيرية رسمية تكون خاضعة لسلطة الدولة وخاضعة لمعايير محاسبية تحول دون تسرب شيء من تلك التبرعات إلى جهات تخالف مقصد المتبرعين. فالمتبرع عندما يدفع الأموال لجهة إغاثية فهو يريد إيصال تبرعات إنسانية للمتضررين، لا أن يكون طرفا في صراع مسلح أو أن يبذل ماله لشراء أسلحة لا يعلم لأي صدر ستوجه بنادقها.
ولا يستغرب إلحاح تلك الجماعات الحركية في استعادة السيطرة على ملف التبرعات، لأن التبرعات هي الذراع الاقتصادي الذي من خلاله يستطيعون تمويل برامجهم ومناشطهم، وبالتالي فإن تقنينه سيؤدي بالضرورة إلى جفاف تلك المنابع وشل حركتهم في المجتمع، وهذا ما يبرر تلك الغيرة والحماسة في كسر حصار جمع التبرعات غير القانونية التي أسموها (حصار العمل الخيري) من أجل التدليس على الناس وكسب عواطفهم تجاه معركتهم المستمرة قبل اندلاع الأزمة السورية.
في اعتقادي أنه يجب عدم الاكتفاء بمنع جمع التبرعات غير القانونية، وإنما يجب أن تجرم تلك الأعمال ويلاحق قانونيا كل من مارسها أو حرض عليها، وذلك بنصوص قانونية واضحة لا تدع مجالا للاجتهاد أو المخاتلة. لأن التردد في تجريم مثل تلك الأفعال سيساهم في تناميها وخروجها للضوء مع كل أزمة، ومن ثم نعاود نشر ذات التحذيرات التي سرعان ما تتلاشى مع خبوء الأزمة، وهكذا في دائرة من الكر والفر لا نهاية لها.