نصّت المادة الثالثة من نظام مراقبة شركات التمويل؛ على أن شركات التمويل تقدِّم خدماتها بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية (بناءً على ما تقرره لجان شرعية تختار أعضاءها تلك الشركات) وفي اعتقادي أن ذلك النص لم يكن موفقاً،لأنه سيوجد مهنة غير محدَّدة المعايير والملامح، فالنظام وضع وصفاً لمؤسسات سمَّاها (لجاناً شرعية) دون تحديد معايير شغل مقاعد تلك اللجان التي وصفها بالشرعية نسبة إلى الشريعة، فعندما تتحدث عن هيئة هندسية -على سبيل المثال – فمن المنطقي أن يكون عضو تلك الهيئة حاصلاً على شهادة هندسية وترخيص من الدولة بممارسة مهنة الهندسة، والأمر نفسه في مهنة الطب والمحاماة ذات المعايير المنضبطة، أما ما يسمى باللجان الشرعية فإن الضابط غير محدَّد، لأنه يشمل شريحة واسعة من البشر الذين ينطبق عليهم وصف (شرعيين)، سواء كانوا من خريجي الكليات الشرعية، أو ممن كانوا خريجي كليات غير شرعية لكنهم اكتسبوا العلم الشرعي من خلال التعليم غير النظامي في المساجد، مما يعقد ضبط معايير عضوية تلك اللجان ويساهم في تنامي ظاهرة (البصمجية) ويؤدي إلى تسليع الشريعة.
والجانب الأخطر في تلك اللجان؛ أنها تابعة للمؤسسة المالية، وأعضاؤها معينون من قبل شركات التمويل، كما هو الحال في اللجان الشرعية في البنوك، وهو ما لا يتفق مع مبدأ الاستقلالية والشفافية، ولاسيما أن الأمر يتعلق بجانب ديني يفترض التعاطي معه بكثير من الحيطة والتحرّز.
أعتقد أنه من الواجب إعادة النظر في هذا النص القانوني من حيث مرجعية تلك الهيئات واستقلالها، بحيث تكون تابعة لإحدى الهيئات الشرعية في الدولة، ومنع أي علاقة مالية ما بين تلك اللجان والمؤسسات المالية التي تراقب تعاملاتها، لأنه من غير المنطقي أن تراقب المؤسسة نفسها، و(تبصم) بأن معاملاتها موافقة للمواصفات والمقاييس الشرعية، ولو كان الأمر بهذه السهولة؛ فإن الدولة يفترض أن تسمح بالمقابل للمصانع والموردين للسلع أن يضعوا هيئة مواصفات خاصة بهم، ويمهروا سلعهم بخاتمها، وألا يلتزموا بمعايير هيئة المواصفات والمقاييس المستقلة التابعة للدولة، فضرورة مراجعة فكرة (اللجان الشرعية) إنما هي حماية للشريعة بالدرجة الأولى، وذلك بألا تكون (سلعة) ومصدراً للتربح وخداع الناس، بعد أن اتسعت ذمم البعض، وتنامت ظاهرة سماسرة الدين.