نشرتُ مقالاً بعنوان (الفساد غير المقصود) تعليقاً على خبر نشرته إحدى الصحف السعودية عن ندوة لمعالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف، نقلت عنه قوله إن الرشوة فساد (غير مقصود)، وحيث تبين أن ذلك النقل لم يكن صحيحاً، واعتذرت الجريدة عنه لاحقاً؛ فإني أقدم اعتذاري لمعالي الرئيس وللهيئة عن نشري المقال الذي كان معتمداً على ذلك الخبر المختلق، وأعتذر عن أي ضرر سببه المقال.
تلك الزوبعة التي أحدثها الخبر تؤكد أهمية المصداقية والمهنية الصحفية التي يُفترض أن تتحلى بها مؤسسات الإعلام، ويؤكد في الوقت نفسه خطورة الخبر أو المعلومة عندما (تُسيّس) لمصالح شخصية أو فئوية، وهنا يأتي دور مؤسسات الرقابة الحكومية والقضائية في إعادة ضبط التوازن ما بين حرية الرأي والتعبير، وضمان عدم انتهاك حرمات الناس والتعدي عليهم من خلال السب والتشهير، سواء كان لفرد أو مسؤول أو مؤسسة، لأن مبدأ المسؤولية القانونية واحد، لا يفرق بين مسؤول في الدولة وبين الفرد العادي، لكن –في ظل الانفتاح الإعلامي والإلكتروني– برزت كثير من الممارسات في وسائل التواصل الاجتماعي؛ تتنكر لمبدأ (المسؤولية القانونية) ما دام الطرف الآخر جهة حكومية، وتتساهل في رمي التهم، بخلاف ما لو كان النقد موجهاً لفرد يمكن أن يلاحقها أمام الجهات القضائية، فلا أحد ينكر عليك إذا ما رفعت دعوى ضد شخص وَصَفَك بـ(الفاسد) تصريحاً أو تلميحاً، لكن ستجد هجمة منظمة إذا ما تحركت جهة حكومية ضد شخص (تخصص) في رمي جهة حكومية ومسؤوليها بالفساد، فهم يرون أن في ذلك تكميماً للأفواه، بخلاف الحالة الأولى التي قد يشجعونك عليه، وهذا يؤكد أن مفهوم حرية الرأي مازال غير مستقر لدى كثير ممن يبحثون عن بطولات كرتونية.
إن كنت تمتلك شجاعة النقد فمن المنطقي أن تمتلك شجاعة الاعتذار، لأنك قد تكون ضحية لمعلومة مغلوطة أو خبر كاذب أريد به أن تكون بيدقاً في حرب لا ناقة لك فيها ولا جمل، من أجل ذلك تأتي أهمية إفشاء قيمة الاعتذار، وعلى الضفة الأخرى تفعيل أحكام القانون، حتى لا يكون النقد مجالاً لتصفية حساباتٍ لا علاقة لها بهذا الوطن.