(أنا كنت ضد سفر الشباب إلى أفغانستان والعراق ومازلت ضد ذهابهم إلى سوريا) هذه هي الكليشة (الباردة) التي يرددها كثير من الدعاة والوعاظ إذا ما أثيرت قضية تحريض بعض رجال الدين للشباب للسفر من أجل القتال في سوريا، ومن ثم يضع لك ذلك الداعية رابطاً لخطبة قديمة أو مقطع صغير من مقالة كتبها قبل عدة سنوات، ويعتقد أنه بذلك أدى ما عليه وأخرج نفسه من دائرة النقد، وكلما أثار الإعلام الجرائم التي تتم بحق شبابنا في سوريا؛ أعاد تلك الكليشة وأعاد معها نشر الروابط نفسها التي يحتفظ بها في مفضلة الطوارئ، وكل ذلك من أجل إخلاء المسؤولية القانونية والأمنية.
أولئك الدعاة (الزئبقيون) يتناولون قضية (نفير) الشباب إلى مواطن القتل على أساس أنها قضية خلاف (أولويات) ومسألة تغليب مصالح، فهم لا يستخدمون مفردة (التحريم) والتشديد عليه، عندما يتحدثون عن نفرة الشباب إلى سوريا، بل يتعاطون معه على أنه ليس من مصلحة (الدعوة) الزج بالشباب هناك، لأن مكانهم الطبيعي هو العمل الحركي في الداخل، وهو ذات الخطاب الذي كانوا يرددونه في التسعينيات الميلادية أيام الجهاد الأفغاني؛ فكل مَنْ يزعم بأنه كان ضد فكرة نفير الشباب لأفغانستان؛ لا يقول إنه عمل محرم، بل يبرر رأيه بأننا بحاجة – في ظل الحراك الصحوي في تلك الفترة – إلى أولئك الشباب لتنفيذ مشروع الصحوة ومساندة رموزها في نضالهم المقدس، فمن الطبيعي إن كانت تلك منطلقاتهم أن نرى هذا البرود وعدم المبالاة في التصدي لهذا الهدر والتغرير المنظم لشبابنا من قبل عصابات القاعدة وأذنابها في الداخل، لأن خلافهم معهم فقط في الأولويات وليس خلافاً استراتيجياً أو حتى خلافاً شرعياً.
لو أرادوا -حقيقة- التصدي لذهاب الشباب لداعش وجبهة النصرة لاستطاعوا بكل سهولة، لأنهم يملكون الكوادر الرسالية النشطة التي تمتلك لياقة احتسابية عالية شاهدناها في ملفات التأنيث والابتعاث وغيرها من القضايا التي كانوا (صادقين) في مواجهتها، لكن مشكلتهم مع النافرين إلى داعش والنصرة؛ أن قلوبهم معهم، وألسنتهم مع بني أمية.