رئيس هيئة مكافحة الفساد الأستاذ محمد الشريف، خرج بتصريح لطيف جداً، واكتشاف بالغ الأهمية، وهو أن الرشوة واستغلال السلطة والتصرف في المال العام؛ ضرب من ضروب الفساد الإداري، لكنه (فساد غير مقصود)، وهذا يُعد سبقاً للهيئة تميزت به عن نظيراتها من المؤسسات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، حيث استطاعت أن توجد تقسيماً لم يسبقها فيه أحد، وهو التفريق بين الفساد المقصود والآخر غير المقصود؛ فالرشوة على سبيل المثال يمكن أن تكون فساداً مقصوداً إذا أخذها الموظف وهو يعلم ويدرك أنه يستغل وظيفته ويأكل مالاً حراماً، لكن الرشوة قد تكون فساداً غير مقصود مثل أن يقوم الموظف بأخذ تبرع من المراجع لبناء مسجد، أو تفطير صائم، وأخطأ وأدخلها في حسابه الخاص، والأمر نفسه قد يكون أيضاً في (التصرف في المال العام)، فلو استغل مدير بلدية سلطته وأوحى لشركة من شركات الصيانة التي تعمل مع البلدية بأن تقوم بالعناية باستراحته الخاصة، فإن ذلك ليس بالضرورة أن يكون فساداً مقصوداً، فمدير البلدية يريد أن يُهيَّأ له الجو المناسب كمسؤول من أجل أن يتهيأ للعمل والإنتاج بفاعلية، كما أن ذلك المسؤول الذي (لهط) المليارات المخصصة لتصريف السيول؛ لم يكن يقصد الاستيلاء على تلك الأموال –والعياذ بالله–، وإنما كان يريد إيجاد فرصة لتعليم الناس السباحة في الهواء الطلق، لذا يجب ألا نكون حرفيين في التعاطي مع (الفساد)، وأن نردد بتمعن الأغنية الخالدة لطلال مداح (حكّم ضميرك قبل ما تحكم عليّ)، وذلك في كل قضية فساد يتم اكتشافها.
وتلك النظرية العبقرية هي السبب الحقيقي في تلاشي قضايا الفساد في البلد، ونجاح الهيئة في ملاحقة لصوص المال العام، ومن يدري فقد تكون تلك النظرية مدخلنا إلى العالمية، وأن تسجل كبراءة اختراع دولية باسم الهيئة ورئيسها، لذا وتثميناً لهذا الفتح العظيم؛ نتمنى تغيير اسم الهيئة ليكون (هيئة مكافحة الفساد غير المقصود).