وظيفة القاضي في كل الأنظمة في العالم تنحصر في تطبيق القانون الذي تصدره المؤسسة التشريعية في الدولة، فهو يقوم بإعمال أحكام القانون على الحالات التي تعرض أمامه، دون أن تكون له سلطة الامتناع عن تطبيق نص قانوني، أو أن يوجِد قاعدة قانونية من (رأسه)، وهذا التطبيق الحرفي لمبدأ الفصل بين السلطات، لأن القضاء سلطة داخل سلطات (الدولة) وليست سلطة منفصلة عنها.
وعندما تصدر تشريعات ممن يملك سلطة إصدارها، سواء كانت قانوناً أو قرارات متعلقة بالقضاء؛ فمن المنطقي أن يلتزم بها القاضي بغض النظر عن رأيه فيها، حتى وإن كان يعتقد أنها تحد من بعض حقوقه، مثل أن يُمنع من ممارسة التجارة أو الاشتغال بها، وكذلك منعه من الكتابة أو توقيع البيانات السياسية أو الحزبية، لأن وظيفة القضاء لها وضعية خاصة في المجتمع والدولة، فالرأي عندما يصدر من قاض سيكون تأثيره أكثر من تأثير غيره، ودخوله في الصراعات السياسية والفكرية في المجتمع سيجر المؤسسة القضائية برمتها إلى أن تكون طرفاً مع فصيل دون آخر، وعندها ستفقد (حيدتها) واستقلالها، فالاستقلال لا يعني أن تستقل المؤسسة القضائية عن باقي سلطات الدولة، وإنما أن تكون مستقلة أيضاً عن (الأيديولوجيا) أياً كان لونها أو صفتها.
ووظيفة القضاء لها (غنم) لذا لابد أن يتحمل من يتقلدها (غرمها)، ومن عجز عن الموازنة بين التزامات وظيفته القضائية وميوله السياسية؛ فباستطاعته تقديم استقالته وخلع عباءة القضاء، والرحيل بصمت، والتفرغ للتغريد وتوقيع البيانات السياسية والمشاركة في حفلات (الإنزال) الاحتسابية لدى المسؤولين وأمام المقار الحكومية، لأن القضاء ليس حزباً سياسياً، ولا يمكن أن تجيّر الوظيفة القضائية لخدمة أجندات سياسية أو حزبية (واسعة أو ضيقة)، لأنه كما قلنا فإن من أهم ركائز القضاء (الحيدة)، فقد يلجأ الفرقاء في يوم من الأيام إلى منصتك القضائية؛ عندها لا يمكن أن تتحدث عن عدالة أو حيدة أمام قاضٍ له صولاته وجولاته مع هذا الفريق أو ذاك، فالمعادلة في غاية البساطة، هي إما أن تكون قاضياً أو تكون ناشطاً سياسياً، لأنهما ضدان لا يجتمعان.