منذ أن طرح شكيب أرسلان كتابه (لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم) ونحن غير قادرين على مواجهة ذلك التساؤل (الجوهري) ونحاول أن نلتف عليه، لأن الإجابة عنه تعني مكاشفات حقيقية مع النفس ومع التاريخ ومع التراث، وملامسة مناطق حساسة من جسدنا، لم نتعود أن نلامسها، لكن رواد تجربة (دبي) التنموية كانوا أكثر شجاعة من الجميع وأجابوا عن ذلك التساؤل من خلال منجز حقيقي على الأرض أصبح – خلال فترة قصيرة – مضرب المثل للجميع، ومهوى أفئدة المستثمرين حول العالم.
لم تنغمس (دبي) في التنظير، ولم تضع وقتها فيه، وإنما حددت لها هدفا تنمويا طموحا، عده البعض يومها أنه ضرب من ضروب الخيال، لكن ذلك لم يثن رواد ذلك الحلم أن يواصلوا عملهم لتحقيق ذلك الهدف، من خلال خطط تنموية خرجوا بها عن القالب التقليدي المألوف، لأن مشروعهم لم يكن من تلك المشاريع التقليدية العابرة، التي لا تخرج عن مجسمات بلاستيكية صماء، أو عروض (بوربوينت) تبهر المسؤول وفلاشات الإعلام.
وقبل أن يبدأوا تنفيذ رؤيتهم في خلق مدينة أحلامهم؛ أوجدوا منظومة قانونية وقضائية متكاملة، تضبط حركة الأموال والبشر، منظومة ستكون محور مشاريعهم، وفي ذات الوقت منعوا العلائق البشرية التي لا يمكن أن تتصالح مع التنمية، أو أن تتعايش مع مخرجات مشروع تنموي بهذا الحجم، فأماطوا أذاهم عن الدولة والمجتمع، وحيدوهم بقوة القانون.
بعد نجاح تجربة دبي، لم يستطع الخصوم السياسيون لدبي أن يخترقوا سياجهم الأمني لأن نموذجها هو النموذج المثالي الذي تبشر به كل الجماعات السياسية على كافة اختلافاتها الأيدلوجية، لكن ما يميز دبي أن لديها (نموذجا) حقيقيا يمكن أن تلمسه وأن تعيشه وأن تتنفس فضاءاته، وليس مجرد وعود بلهاء على الورق، يرددها المنظرون في الأرض في كتبهم وعلى منابرهم، وهذا سبب تكسر كل الحراب التي وجهها لها بعض الحركيين الإسلاميين من جماعة الإخوان المخلوعة ومن دار في فلكها، وتلك هي (أمثولة) دبي شامخة، فهل من مدكر؟