قد يكون أصدق وصف أطلق على خطاب من وصفوا أنفسهم بـ ( القضاة المائتين) هو وصف الناشط الاخواني ياسر الزعاترة الذي اراد أن يفزع مع أهله و عشيرته لكنه دون أن يدري (كب العشا) حيث وصف الحراك بأنه (حراك مطلبي بنكهة سياسية ) وهو كذلك و غيره من التحركات الذي يقوم بها مجموعة من القضاة من اتباع المدرسة القضائية المتخشبة التي تتعامل مع القضاء كسلطة و ذراع سياسي لها و لتيارها كما كان في (الزمانات) ، لذا ثارت ثورتهم عندما سحبت صلاحياتهم و أعيدت الأمور إلى نصابها الصحيح حيث لا تعلو سلطة على سلطة الدولة .
قصة تمرد القضاة المؤدلجين لم تكن وليدة خطاب المائتين و لن تتوقف عنده ، و إنما هي مرحلة ممتدة من التمرد على القانون و ممانعة أي حراك نحو مأسسة القضاء و تقنين الشريعة من أجل الاحتفاظ بمؤسسة القضاء كمؤسسة حزبية تذود عن حياض الأهل و العشيرة .
حركة التمرد الحزبي لم تكن مقتصرة فقط على القضاء و إنما طالت كل مجالات التنمية ، فما يحدث الآن من قبل الحركيين ضد تحديث القضاء ما هو إلا امتداد لما حدث و يحدث ضد وزارة العمل و برنامج الابتعاث ، و البيادق الحركية هي ذاتها التي تدير و تحرك ذلك التمرد و أن اختلفت اللافتات .
و من خلال هذه التدوينة سأحاول أن اتتبع تلك المراحل من خلال ذكرياتي و مواقفي معهم في القضايا التي توليت الترافع فيها و كانت مثار جدل و نقاش في المجتمع ، لنبين أي رداء كان يتدثرون به يومها قبل ان يقرروا تغيير جلدهم و ركوب موجة النضال المنزلي .
قضايا الإعلام … بداية التصادم
قد تكون قضايا ( الإعلام ) هي بداية التصادم الحقيقي مع تيار التمرد القضائي ، حيث أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز أوامر قبل اكثر من ثمان سنوات بمنع القضاء نظر القضايا الاعلامية المحكومة بنظام المطبوعات و النشر ، و ثارت يومها ضجة صحوية من ذات الرموز الحركية الثائرة اليوم ، لأن تلك الأوامر سلبت منهم السياط التي يلهبون بها ظهور خصومهم و يتحكمون من خلالها بـ (افواه) الناس و أقلامهم .
و في تلك الفترة طفت على السطح عدة قضايا أصر القضاة -و بدعم و توجيه من رئيسهم يومها -أن يواصلوا نظر القضايا الاعلامية في تحد سافر لأبسط مبادئ مفهوم الدولة ، و قواعد العمل القضائي و الوثائق القانونية التي تحدد ولايتهم القضائية ، و كان من ابرز القضايا يومها ؛ قضية أحد الكتاب الصحفيين الذي حرّك عليه أحد الصحويين في جامعة الملك سعود دعوى أمام القضاء العام بسبب مقالة في صحيفة الوطن ، و قَبِلها القاضي و قيدها و واصل نظرها ، و في نفس اليوم الذي بلغ بعدم نظر القضية لأنه لا ولاية له ، قام بإصدار حكم بـ (جلد) الكاتب الصحفي بتوجيه مباشر من رئيس القضاء ، و كانت تلك رسالة واضحة للدولة بأن لا تدخلوا حياضنا أو تقتربوا منها .
بعد عدة جولات خسر تيار التمرد القضائي تلك المعركة ، مع أنه لازالت قياداتهم تعيد تكرار مقولتهم الشائعة ( أعيدوا قضايا الإعلام إلى القضاء الشرعي) على أساس أن اللجان القضائية في وزارة الإعلام ليست شرعية لأنه تطبق (قانون) المطبوعات و النشر أو ما يسمونه بـ (الياسق ) الذي لا يوجد فيه نص واحد يقضي بالجلد، نسأل الله السلامة و العافية .
بداية التصحيح …مشروع الملك عبدالله لإصلاح القضاء
ببساطة كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز يهدف من مشروع تطوير القضاء ( إعادة القضاء كسلطة [من] سلطات الدولة و ليست سلطة موازية لسلطة الدولة ) فالمشروع ليسمحصورا فقط في الجوانب المادية من مبانٍ و أثاث فاخر و إنشاء محاكم جديدة و أنظمة الكترونية و إنما هناك هدف أساسي هو استعادة القضاء ممن اختطفه ، و تحصينه من أن يكون أداة سياسية بيد فصيل فكري يستخدمه لتصفية حساباته مع خصومه ، و كانت أولى الخطوات في تحقيق ذلك الهدف هو ضخ المزيد من التشريعات و القضاء على المناطق الفارغة التي لا نص فيها ، لأن تلك المناطق هي التي يستغلها القاضي المؤدلج لقضاء حوائجة الحزبية ، فالتقنين سيضيق عليه حركته و يعيده إلى وظيفته الأساسية ، و التقنين في النهاية هو أحد المراحل الأساسية في المشروع .
و بما أن التقنين كان الهاجس الذي يؤرقهم ؛ فسنفرد له الفقرة التالية :
لماذا يخشون التقنين ؟
موقف الرفض للتقنين من قبل جماعة التمرد ؛ كان موقفا قديما تجلى في نجاحهم عام 1409هـ في إسقاط نظام المرافعات الشرعية و نظام الاجراءات الجزائية بعد صدوره من مجلس الوزراء و تتويجه بـ (مرسوم ملكي) في وقت غليان ما كان يسمى بالصحوة إيبان غزو الكويت ، و بقي النظامين رهن الادراج حتى (أعيد) اصدارهما من جديد و بمرسوم ملكي جديد عام 1422هـ بعد ان انحسرت الصحوة و خبت رموزها .
و لو رجعنا إلى رموز الصحوة (المتحولين منهم و الثابتين ) الذين ثارت غيرتهم فجأة على القضاء ؛ نجد أن موقفهم من التقنين هو نفس موقف المؤسسة القضائية ، ففي محاضرة قديمة للشيخ سلمان العودة بعنوان ( انصفوا العمال ) يقول ما نصه :
(أما النقطة الأخيرة فهي وقفة مع نظام للعمل والعمال وهو نظام موجود ومطبوع، وهو المفروض نظاماً أن يكون العمل به، وقد قرأت عن هذا النظام وسجلت عليه بعض الملاحظات التالية، أقولها باختصار لأني أريد أن أقسم بعض الوقت أيضاً: أولاً: يبدو أن هذا النظام مستل في معظم مواده من قانون العمل المصري، وقانون العمل المصري مأخوذ بطبيعة الحال من القوانين الإنجليزية والفرنسية والأجنبية بشكل عام. ثانياً: يتكلم القانون الذي سُمي (تلطيفاً بنظام) يتكلم عن مسألة الأجانب، ولا أدري من المقصود بالأجانب.
إن الأجانب في حصن المسلم هم الكفار، أما المسلم فهو أخونا، له ما لنا وعليه ما علينا بغض النظر عن بلده، أو لونه أو جنسيته أو دولته، إن هذا التعريف للأجنبي تعريف غريب؛ فالسعودي -مثلاً- هو المواطن أياً كان، لا يلتفت إلى أي شيء آخر، أما الأجنبي فهو غير السعودي أياً كان لونه أو دينه أو بلده أو عمله… هناك قضية خطيرة تتعلق بتسوية الخلافات فيما يتعلق بالخلافات بين العمال أو بينهم وبين أرباب العمل، فهناك لجان، النوع الأول من اللجان تسمى: لجان ابتدائية، هذه في القضايا الصغيرة أو الجزئية أو المؤقتة، واختصاص هذه اللجان بعض الخصومات يرأسها حاكم شرعي ولابد أن يشارك فيها رجل حقوقي أو قانوني كما نصت المادة (173). النوع الثاني: وهو الخطير: اللجنة العليا التي تعتبر مجالاً للاستئناف، وتسوي الخلافات الكبيرة، …
قال الشارح: الشئون القانونية كما نصت المادة (175) ولم يرد ذكر للشرع قط في هذه المادة. مهمة هذه اللجان العليا: أولاً: الاستئناف كما ذكرت. ثانياً: عقوبة من يخالف أحكام نظام العمل والعمال، أما إذا خالف الشريعة فلا عقوبة. ثالثاً: قرارات هذه اللجان قرارات نهائية واجبة التنفيذ فوراً.) ا-هـ
و في تلك الفترة التي كان يتكلم فيها العودة عن نظام العمل و يعتبره مستل من القوانين الانجليزية ، لم ينبس ببنت شفة عن الممارسات القضائية في المحاكم التي كانوا مسيطرين عليها ، إعمالاً لقاعدة ( سمننا في دقيقنا ) .
ببساطة كان سبب مقاومتهم لفكرة التقنين (اصدار التشريعات) ان القاضي يعتقد أنه هو القانون ؛ فهو من يخلق النص القانوني و هو من يقوم بتنفيذه ، و لا يقبل أن يفرض عليه نص من المؤسسة التشريعية تقول له : (أفعل ولا تفعل ) ، فكل نص قانوني هو بالضرورة يقوض سلطة من سلطاتهم المطلقة ، لذا استماتوا في مواجهة فتنة التقنين و يقاوموا أي مشروع تحديثي يستهدف ضخ المزيد من القوانين في البلد .
ردة فعل المردة على مشروع إصلاح القضاء
لم تكن مفردة (إصلاح) من المفردات المحببة لدى جماعة التمرد القضائي لأنها توحي بأن القضاء فاسد و يتم إصلاحه وهذا بالضبط ما اتهموني به في أحد القضايا التي رفعوها علي أيام الرئيس الأسبق المعزول في لجنة تأديب المحامين حيث ذكرت بعض الجوانب التي تحتاج إلى إصلاح في المؤسسة القضائية و من ذلك التقنين ، وذلك في لقاء تلفزيوني على قناة (عين) مع الصديق كمال عبدالقادر ، فكانت التهمة الاساءة إلى القضاء (الشرعي) و وصفه بالفساد ، فقط لأني استخدمت مفردة (إصلاح) و الآن ذات رواد المدرسة يتصايحون بذات الطريقة التي كانوا يلاحقون الناس بسببها و كأن الناس قد اصيبوا بالزهايمر فتلاشت ذاكرتهم.
بداية التطبيق و حالة الترقب …
لم تكن الصورة واضحة لدى جماعة التمرد بشأن ابعاد المشروع و لا جديته ، و إن كانوا يخشون على مكتسباتهم و وضعهم ، خصوصا بعد رحيل الأب الروحي لهم ، فكانوا يخاتلون و يعيدون بناء أنفسهم و ترميم جماعتهم من خلال (مواقع الانترنت ) المغلقة عليهم فقط ، و لم يصرحوا علانية برفض المشروع ، لأن ذلك سيضعهم في موضع الرافض للتطوير الذي يستتبع احتراقهم شعبيا ، بعد أن بدأ الاعلام يتجرأ و ينشر بشكل جريء ما يجري من مهازل خلف أبوابهم المغلقة ، خصوصا و كما قلنا أن سندهم الروحي قد أقيل في مفاجأة لم يكن يتوقعونها ، و كانت الاستراتيجية الجديدة ؛ المزايدة على المشروع و انتظر لحظة الانقضاض عليه .
و في تلك المرحلة ( مرحلة تقلد الدكتور صالح بن حميد منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء) كان مصالحهم و نفوذهم في مأمن ؛ فالتفتيش القضائي انتقلت صلاحياته من وزارة العدل إلى المجلس ، و بالتالي لم يأخذوا مشروع التطوير على محمل الجد ، لأنهم لمسوا من المجلس عدم جدية في تطبيق روية مشروع التطوير ، خصوصا في الجانب المتعلق باختصاصات المجلس مثل ما يتعلق بإدارة الخصومة ، و الصرامة في ضبط أداء القضاة و إنجازهم ، فاستمر الوضع على ما هو عليه أيام رئيسهم المعزول ، فالدوام اليومي يبدأ عند العاشرة تليه ساعة لممارسة طقوس (التبخر) و ( القدوع ) في المختصر ، ثم الخروج للناس ساعة قبل الظهر و أخرى بعدها ، و هذا ديدن الكثير من جماعة التمرد القضائي ، لأنهم كانوا مشغولين بتوقيع البيانات السياسية و الاحتساب ، و ما فاض من الوقت صُرف في نظر القضايا المتراكمة و الفصل بين الخصوم ، و التي هي عملهم الأساسي الذي يتقاضون عليه أجراً من الخزينة العامة ، و الويل و الثبور لمن يتجرأ و يقطع على أحدهم خلوته في جلسة البخور أو القدوع في مختصره .
إضافة إلى ذلك كان اعضاء رابطة التمرد يمارسون التحرك السياسي مع أخوتهم خارج المؤسسة القضائية في تلك المرحلة و ما قبلها ، حيث لا تجد بيانا صحويا إلا و قد زين بعدد من أسماء اصحاب الفضيلة القضاة ، و اصبح وصف (القضاة ) و (الدعاة) وصفين مترادفين يعطيان قوة لأي تحرك حزبي ضد برامج التنمية في هذا البلد .
حركة تصحيح مشروع إصلاح القضاء
بعد استقالة معالي الشيخ صالح بن حميد من منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى و تكليف وزير العدل الدكتور محمد العيسى بالمنصب ؛ احسوا بأن هناك إعادة تقييم للمشروع و تصحيح لمساره ، و أن ساعة الحقيقة التي كانوا يفرون منها قد حانت ، و أن مصالحهم اصبحت في مهب الريح ، فرجال التفتيش القضائي (المهمش) دورهم ؛ سيكونون على التخوم ، و ستفتح الملفات كاملة غير منقوصة و البقاء سيكون فقط للأفضل و المؤمن بأهداف مشروع تطوير القضاء ؛ إيمانا صادقا لا ايمان تقية .
و لك أن تلاحظ أنه لا يوجد أي نقد لمعالي الدكتور صالح بن حميد حفظه الله ، مع أنه كان يرأس المجلس الأعلى للقضاء ، و هي المؤسسة المعنية بمتابعة (أداء ) القضاة ، و انجازهم ، و التي تعد الإشكالية الكبرى الذي يعاني منه القضاء والذي يهم رجل الشارع ، فصاحب الدعوى يريد عدالة ناجزة ، و العدالة الناجزة معناها ، قاضٍ منتج و متفرغ لوظيفته .
محاكمات القضاة و كتاب العدل تقرع اجراس الخطر
لم نكن نسمع بالسابق عن محاكمة تمت لقاض او كاتب عدل ، على كثرة الاخبار المتداولة في الصحف و في المجالس عن عمليات الفساد المتفشية يومها ، و سرقة الاراضي و (مافيا) الصكوك ؛ فأي محاكمة لقاض او كاتب عدل إنما هي مسبَّة لمؤسستهم (الملائكية) فهم يدخلون في فسطاط ( ذوي الهيئات) الذي يجب أن تقال عثراتهم ، و كلنا نذكر حكاية فلم الرس الشهير و ما حدث بعده .
في العهد الجديد؛ تحركت الآلة القانونية ضد اساطين الفساد في المؤسسة ، و أقيمت دعاوى جنائية عليهم ، و اعتقل بعض من كان متورط في مافيا الصكوك ، و بالتالي فإن عروش الفساد أخذت تهتز و لم يجدوا سبيلا لحماية مكتسباتهم و قلاعهم إلا مواجهة تلك الاصلاحات بالاستماتة في إسقاط المشروع و تشويهه ، و تشويه القائمين عليه أملا في ان تعود عقارب الساعة إلى الوراء .
ردة الفعل و تعطيل مصالح الناس.. الغاية تبرر الوسيلة
تمثلت ردة فعل أولئك القضاة على الاجراءات الصارمة الجديدة أن تعمدوا تعطيل مصالح الناس من خلال (تعمد) اطالة امد التقاضي و إعطاء مواعيد نصف سنوية أو أكثر ، و عند تذمر المراجع ترمى في وجهه الكلمة الشهيرة التي يسمعها الكثير ( رح لوزارة العدل اشتك ) مع ان وزارة العدل لا علاقة لها بعمل القاضي ، و إنما القصد خلق حالة عامة من التذمر حتى ولو على حساب مصالح الناس و تعطيل حقوقهم ، و بعد كل ذلك يأتون بكل صفاقة وجه ليتحدثوا في خطابهم عن ( إطالة أمد التقاضي) و كأن من يجلس على المنصة ؛ كائنات فضائية لا علاقة لهم بهم ، في تدليس ممجوج مفضوح .
من يطيل أمد التقاضي هو ذلك القاضي الذي لا يجلس على مكتبه سوى ساعتين أو ثلاث من ساعات الدوام الرسمي ، و ذلك القاضي الفاشل في إدارة الموظفين في مكتبه ؛ و إلا كيف تفهم قاضي يعطي مواعيد بالستة اشهر و السبعة أشهر ، و بجواره قاض اخر لا يفصل بينهما سوى جدار يعطي مواعيد بالشهرين أو اقل ، مع ان القضايا تحال إليهم (آلياً) إلا ان الأول يريد ان يستخدم قضايا الخصوم المتراكمة على مكتبة كوسيلة ضغط ، و الآخر يعي وظيفته و يمارسها باحتراف و ذمة .
هناك قضاة في المحكمة العامة بالرياض ممن تصالحوا مع انفسهم ، و لم تعصف بهم رياح التحزب ؛ يديرون اكثر من قضية في ذات الوقت ، من خلال استغلال الكوادر الوظيفية الموجودة لديهم ، حيث توكل الاعمال الاجرائية لكتاب الضبط والملازمين القضائيين ، و القاضي يقوم بالإشراف و اصدار القرارات ذات الصبغة القضائية ، و هنا يكمن الفرق ؛ فمن يريد أن ينتج فهناك الوسائل التي تعينه على ذلك ، و من لا يريد أن يعمل فسيقضي الوقت في وضع العصي في الدواليب .
و إذا كانت إطالة أمد التقاضي يقلقكم أيها القضاة المردة ، و تتنصلون من مسئوليتها ؛ فأنا ادعوكم إلى خطاب مشترك ، نرفعه جميعا إلى المجلس الأعلى للقضاء ، ينص على إبعاد أي قاض عن منصة القضاء اذا وصلت المواعيد في مكتبه إلى اكثر من اربعة اشهر ، أو تأخر في الفصل في الخصومة لأكثر من سنة و لتكن التهمة ( إعاقة سير العدالة ) .
ثقوا أيها الاعزاء المردة المائتين أنه لو طبقت تلك القاعدة فلن يتبقى منكم أحد على منصات القضاء.
مفهوم (العدالة) عند بعض القضاة …
في بيان اصدره القاضي : بندر العجلان و عنون له بـ (محاكمة و تعليق) في التعليق على الحكم على سليمان العلوان بالسجن لمدة 15 سنة ، حيث قال القاضي ما نصه :
(اعتبار حال المتهم في القضايا المعروضة أمام القاضي من حيث الصلاح وعدمه وفق ميزان الشرع الحنيف، فمن كان من أهل التهم والريب ليس كمن عرف بالإمامة في العلم والدين تطبيقاً لمبدأ (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم.)
هذا النص (الكارثي) يختصر الكثير فيما يمكن أن يقال في تعاطي القوم مع فكرة (العدالة) ، اذ أنهم يقسمون الناس (طبقات) ؛ فهناك نبلاء يجب أن تقال عثراتهم ، و هناك رعاع الناس الذين هم من أهل التهم و الريب ، فلا تؤخذ بهم رأفة ولا رحمة في تطبيق النظام ، فالناس ليسوا سواسية كأسنان المشط ، و إنما أسنان طويلة و أخرى قصيرة ، فلا يمكن مع تلك العقليات الحديث عن (المساواة أمام القانون) و لا حتى عن أبسط المبادئ الشرعية (لو أن فاطمه بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) و في اليوم التالي يأتي ذلك القاضي و رفاقه ليحدثونا عن الاصلاح و احترام النظام .
هذا القاضي و بمجرد كتابة ذلك البيان بتلك الصيغة – يجب شرعا و نظاما- ابعاده فورا عن منصة القضاء ، و تنحيته عن الفصل في دماء الناس و أعراضهم ، و لو تم ذلك لو جدت الهاشتاقات من (المناضلين المنزليين) ينتصرون له ، و يصفونه بأنه شهيد الحرية ، و أن ابعاده من أجل تكميم أفواه القضاة .
المتمردون و حقوق الانسان …
في الخطاب الإعلامي الجديد لرابطة التمرد ؛ بدأت تتسلل مفردات لم تكن مدرجة في القاموس اللغوي لدهاقنة الصحوة ، مثل (حقوق الانسان ) التي اصبح لها بعد ما يسمى بالثورات العربية (شنة و رنة ) ، فبين ثنايا خطاب قضاة التمرد قاموا بالاستشهاد بموقف للجنة حقوق الانسان ، مع أن حقوق الانسان – كمبدأ -يعتقدون أنها رجس من عمل الشيطان تقتضي الاحتساب ، فهم وقفوا ضد حق المرأة في العمل ، و اركضوا بخيلهم و رجلهم عليها ، و الأمر نفسه في زواج الصغيرات ، و هم من قام بتأصيل بدعة (الكفاءة بالنسب) و حمايتها قضاءً ، و خرافة (رجل الحسبة لا يحاسب ) و كان للجنة حقوق الانسان -التي يستشهدون بها -مواقف معارضة لها ، لكن و من باب (ذهانة الفلاليح) قاموا بالتدثر برداء الشيخ مانديلا ، و اصبحوا يسكبون العبرات على حقوق الانسان التي ساهموا في وأدها .
و بما أن الحديث عن حقوق الانسان دعوني احكي لكم هذه القصة :
قبل عدة سنوات كان هناك سجين في نجران تم اعتقاله و الحكم عليه بالقتل بسبب كلمة قالها فسّرها القضاة بأنها ردة ، و مكث في السجن قرابة اربعة عشر سنة و شكلنا يومها مجموعة صغيرة للعمل على التحرك قانونا لتقديم المساعدة له ، فتواصلنا مع هيئة حقوق الانسان و اجتمعنا مع رئيسها السابق الاستاذ تركي بن خالد السديري و شرحنا له الموضوع و أن المتهم لم يعط فرصة لأن يعترض على الحكم الذي لم يطلع عليه أحد حتى المتهم نفسه ، و اقترحنا تسليمنا الحكم لإعداد مذكرة اعتراضية عليه إبراء للذمة و اعمالا بمبدأ (أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ) . اقتنعت الهيئة بعد أن (استمزجت ) رأي رئيس مجلس القضاء الأعلى يومها و أبدى موفقته (الشفهية) و من ثم شرعتُ في إعداد اللائحة ، و بالفعل سُلَّمت للهيئة و رفعت لرئيس مجلس القضاء ، والذي بدوره أعادها بخطاب مكتوب فيه تقريع شديد اللهجة ، و مفاده أن الهيئة لا دخل لها في العمل القضائي .
هكذا كان يرى ابوهم الروحي حدود صلاحيات هيئة حقوق الانسان (الحكومية ) المرتبطة بالملك و ليست اللجنة الاهلية لحقوق الانسان ، فهم يرون بأن حقوق الانسان تطبق على وزارة الزراعة و غيرها لكن لا يمكن تصور أن تصل رقابتها إلى حصونهم المشيدة .
و قبل أن نتجاوز حقوق الإنسان و التي منها حرية التعبير ، و كيف كانت أيام (الزمانات) ؛ حبيت أفكر أخوتي المَرَدة بقصة القاضي السابق و المحامي حالياً (يكتب الآن في جريدة الحياة) و كيف أنه أجبر على الاستقالة بسبب مقابلته في قناة المجد ، و محاولته التغريد خارج السرب ، ولم نرى يومها أنكم شكلتم تكتلاً للدفاع عنه و لا عن غيره ممن كانوا ضحية رئيسكم .
القضاة و المحامون .. الأخوة الأعداء …
في كل مناطق العالم ، يعتبر المحامي شريك القاضي في تحقيق العدالة و انفاذ القانون ، و يعدونه (القاضي الواقف) إلا ان القضاة هنا لا زالوا إلى وقت قريب ينظرون إليه بعين الريبة و الشك ، و أنه يحامي عن الباطل ، و يعدونه أحيانا خصما لهم خصوصا في القضايا التي يكون فيها المحامي يمثل طرفا لا ترضى عنه المؤسسة و حركيوها ، و الآن و في زمن (تغيير الجلد) نجدهم في خطابهم يناضلون عن حقوق المحامين و يستشهدون بهم و يصطفون معهم ، في انتهازية لا تخفى على أحد .
لتعرف كيف تنظر تلك الجماعة للمحامي و وظيفته اعطيك هذه الحكاية :
في يوم من أيام زمن رئيس القضاء (الأسبق ) و قبل عدة سنوات ، توليت قضية كانت مثار جدل إعلامي يومها ، حيث تم القبض على أحد الشباب المثقف في حائل و قدمت في حقه اتهامات مفادها أن كتب في أحد مواقع الحوار (رأي) كان فيها مخالفات شرعية على حد زعمهم و تولت هيئة التحقيق و الادعاء العام التحقيق معه و اصدرت بحقه لائحة اتهام ، ثم ارسلت اللائحة و المعاملة كاملة إلى المحكمة الجزائية (الجزئية كما كانت تسمى) و كنت متواجداً في مكتب القاضي لحظة دخول المعاملة عليه ، و بعد خمس دقائق من ولوج الملف إلى فضيلته طلبت الدخول فدخلت عليه و كان يتصفح اوراق المعاملة ، و قدمت له بطاقة المحاماة الصادرة من وزارة العدل التي تعني أنني امارس (مهنة) تعترف بها الدولة و تسمى (مهنة المحاماة ) ، وقدمت له وكالة عن المتهم ، عندها اخذ يقرأ الوكالة وهو يردد ( و لا تكن للخائنين خصيما) ، فهو بكل بساطة اصدر حكمه على المتهم بأنه (خائن ) خلال خمس دقائق من تصفح الأوراق و دون أن يسمع منه أو يسمع من وكيله ، و الغى بكل بساطة الاعتراف بدور المحامي الواقف أمامه ، لأن مهمته تنحصر فقط في الخصومة عن الخائنين .
هم لا يريدون المحامين – طبعا الذين خارج سربهم- لأنه لم يتعود أن يقال له ( عفوا فضيلة القاضي : رأيك يخالف النص القانوني) لأنه لا يزال يعتقد كما قلت أن القانون يتمثل في شخصه ، و متى نطقت بمخالفته و حاولت أن تمارس مهنتك كما تمليها عليك أدبياتها و قيمها ، فالتهمة جاهزة ( اللدد في الخصومة )
و بطبيعة الحال سيتغير الأمر لو كان المحامي من ذات التيار ، في زمن تبادل الأدوار و الاعتماد على خطة (اربعة اربعة اثنين ) .
في النهاية …
خلاصة الحملة المؤدلجة التي يقوم بها تيار التمرد القضائي تنحصر في ثلاث كلمات لا رابع لها ( قاضي لا تكلمني ) فلا تحاسبني متى أدخل مكتبي ولا متى أخرج منه ، و لا متى أنهي قضاياي التي أديرها و أن استمرت إلى خروج الدابة ، و اعطونا صلاحيات دون مساءلة ، و افتحوا لنا خزائن الأرض ، و دعونا نحول المؤسسة إلى حزب سياسي ، و نمارس هوايتنا في توقيع البيانات الحزبية ، و إلا سنقلبها ثورة لا تبقي و لا تذر ، و إن فصلتني لعدم الكفاءة فسوف يقوم أهلي وعشيرتي في تويتر في التداعي و مؤزرتي ، و أن فصلي لم يكن لأني خنت أمانة منصبي و إنما لأني صدعت بالحق ، هذه الحكاية بلا رتوش ؛ حكاية جماعة سادت ثم بادت ، حكاية جماعة أفاقت ذات صباح و إذا بساط السلطة قد سحب من تحت أقدامهم ، و إذا بعروشهم تتهاوى ، و أصبحت أمجادهم (صرحاً من خيال فهوى) ، حاولوا تغيير جلودهم لكن شهود مرحلتهم لازالوا احياءً يرزقون ، جماعة لم تدرك بعد بأن الزمن لا يمكن أن يرجع إلى الوراء .
كل كلمة كتبتها هنا هي واقع مؤلم لا نتعايشه بشكل مباشر ولكن حينما نجد من لديه قضايا في المحاكم , تجده كمن يجري خلف سراب لا يطيق وصوله والإنتهاء منه .
قضايا كثيرة تلحفها القضاة برأيهم(الخاص) دونما الاعتماد على القانون أو حتى الشرع الذي يتنصلون منه بلوي الأدلة والحكم المسبق ..
فتلك امرأة ممن نعرف , زوجها يضربها ليلاً ونهاراً ويشرب الخمر ولا يصلي _ جريمة شرعية _ !!
وحينما تمثل المرأة أمام القاضي بتقارير المستشفى للضرب وادعاء شرب الخمر وغيره , يهرع القاضي بقوله : أنتن النسوة تكذبن في كل شيء حتى تصلن إلى مرادكن , ويرفض القضية نظراً لحكمه المسبق حضرته (شارلوك هولمز ) !!
ومثل هذه القضية كثير تعلقت لسنوات لأن القضاة يرون من منظورهم (الشرعي) أن الإعتداء والضرب حق , بل واجب على المرأة أن تخضع متمثله بالدين ,, وحتما فالأدلة المادية والتقارير الطبية , يضرب بها عرض الحائط لأن سعادة القاضي قرر مسبقاً مايقول .
القضاء لا يحتاج تقنين وحسب , بل يحتاج إلى قوانين وضعية , لا تعطي للمعتدي حق الاعتداء لأن (الشرع) يقف معه , وهذا الشرع بأعين القضاة (مطاطي جداً) ليتناسب مع أحكامهم وأهوائهم .
مثل هذه المواضيع تساهم في زيادة الوعي .. نريد المزيد منها لكي يعرف المجتمع حقيقة ما يحدث داخل دهاليز وممرات القضاء .. شكراً لك أخ عبدالرحمن..
المقال هذا يعتبر شهادة لهم .
يطلبون العدل والتصحيح وبطريقه نظاميه وتعتبرهم متمردين !
رائع استاذ عبدالرحمن ….
القانون (تقنين) المذاهب وتوحيد نص معتمد يوفر معرفة الفرد لحقوقه وواجباته القانونية والجزاءت القانونية المترتبة على المخالفات او الجنح او الجرائم وهذا سيحد من اطلاق أحكام فردية في قضيا المواطن لا يمكن القبول بها وخاصة ان معظم القضاة محدودي المعرفة في شؤن الحياة والاقتصاد والعلم(كالطب والصيدلة والنت والتقنية ….) فعند وجود القانون يعرف المقصر ويكتشف الخطاء والحيف. أعانك الله على مجابهة خصم جامد كالصخر ينظر الى الخلف ويمشي مع جلاميد لا تسمع النداء.
طرح فكرة استبدال القضاة السعوديين بقضاة مصريين وسوريين سوف يجعلهم يتنافضون . فما لالك بتطبيقها
رائع استاذ عبد الرحمن شهدت على الكثير من الوقائع المذكورة
اسأل الله سبحانه ان يكتب لك الاجر والمثوبة …
ونسأل الله ان يعين وزير العدل على إصلاح مؤسسة القضاء…
وأتمنى ممن يقرأ هذا المقال أن ينظر لحال محاكمنا وبعض القضاة فيها…وبعدها يحكم
لك اخي العزيز اجمل التحية وأصدقها
كفيت ووفيت
وضحت أمور كثيرة غائبة عن عقولنا نحن البعيدون عن واقع اللعبة القضائية
تقبل تحياتي
مقال مهلهل.. هدفه استعداء الناس للقضاء الشرعي.
هذا أول وآخر مقال اقرأه لك.
الكذب حرام.. ويحرم أكثر إذا كان هدفه التحول من القضاء بالشرع إلى القضاء بالقوانين الوضعية.!!
اسأل الله أن يعاملك بما تستحق.
مقالك شاف وكاف في تبيان وضع القضاء والمنظومة العدلية وتحرك القضاة المائتين،،
جميع مواطني هذا البلد شهود بطريقة او باخرى على ما ذكرته في مقالك،، ولا استثني الا اولئك المؤدلجين
القابعين في ظلام التخلف والتشدد والذين اعتقدوا طويلا انهم في مأمن من حركة التاريخ واحكام العصر ولغة الحضارة،، شكرا جزيلا لك
مقالة رصينة، تتلمس كثيرا من جوانب الخلل… استمعت كثيرا بقراءاتها…