كان الجدل على أشده في الاسابيع الماضية حول الضوابط الشرعية لممارسة المرأة عملها في المجلس البلدي بعد ان نجحت في الوصول الى مقاعده باصوات الناخبين و كان هذا يعني خسارة مدوية للتيار الديني المسيس الذي حاول طوال الاشهر الماضية اجهاض التجربة و منعها من الترشح و الانتخاب من خلال اصدار الفتاوى والبيانات الجماعية والفردية إلا انه مني بخسارة مدوية تضاف الى خسائرة المتلاحقة لكنه لم يستسلم فبعد ان خسر معركة الانتخاب و الترشيح و اصبح وجود المرأة في المجلس البلدي واقعا مفروضا انتقل الى معركة اخرى وهي (غزوة الضوابط الشرعية) و الهدف فرض رؤيته الضيقة للشريعة التي يريد منها تكبيل عمل المرأة و فرض التمييز ضدها و خلق واقعا مضادا بأن تكون ضوابطه الشرعية قانونا ملزما يمرر من خلاله المصطلحات التي ابتكرها و غرسها في المجتمع دون ان يكون لها اصل شرعي مثل مصطلح(الاختلاط) الذي جعلوه مبدأ شرعيا قطعي الدلالة قطعي الثبوت حتى وصل الامر بأحدهم بان يفتي بكفر من لا يحرمه و في غفلة من الجميع و خلال ربع قرن من هيمنة تيار الصحوة على المجتمع استطاعوا ان يمرروه و ان يقنعوا الناس به ليحولوا هذا الوطن الى جزر منعزلة متباينة مابين النساء و الرجال بشكل جرفنا عن مواطن الفطر السليمة وجعلنا حالة منفردة عن طبائع بني البشر
لقد نجح هذا التيار في خديعة المسؤولين في وزارة الشؤون البلدية بأن رضخوا للضوابط الشرعية لذلك التيار المتأسلم و اصدر الوزير اللائحة التنفيذية مثقلة بتلك الضوابط و التي ترسخ مبدأ التمييز ضد المرأة و تخالف نصوص الاتفاقيات الدولية الملزمة للدولة كاتفاقية السيداو و التي تعد احكامها بمثابة القانون الداخلي و لا يغير من هذه الحقيقة كون السعودية تحفظت على ما يخالف الشريعة لأن الشريعة في هذا السياق تعني القواعد الشرعية قطعية الدلالة قطعية الثبوت و المعلومة من الدين بالضرورة لا تلك الفتاوى التي يصدرها رموز التيار الديني الحركي والتي لا تلزم احدا سواهم
لقد أسست تلك اللائحة التنفيذية لمبدأ غريب على النصوص القانونية في السعودية حيث جاءت بضوابط لا توجد على حد علمي في أي وثيقة قانونية مشابهة ولم تطبق اللائحة ذات المعايير و الضوابط التي طبقها مجلس الشورى حيث ان ضوابط الشورى طبقت وفق توجيهات الامر الملكي الذي أمر بتعيين النساء في المجلس وتطبيق تلك الضوابط طوال تلك الفترة دون ملاحظات من المقام الكريم يعني انها جاءت محققة للارادة الملكية الكريمة بمعنى ان هذه هي الضوابط الشرعية التي يراها المقام الكريم لذا رأينا قادة هذا البلد يجلسون تحت قبة الشورى و يجتمعون باعضائه من الجنسين في قاعة واحدة دون ان تخدش الضوابط الشرعية فمن أين اذا جاءت ضوابط وزير الشؤون البلدية و كيف يتجاوز مبدأ قانونياً مستقرا بإقرار القيادة و يخلق له قواعد تشريعية تخالف تلك المباديء ؟ هل يعقل ان يكون لدولة واحدة مبادىء قانونية متنافرة ؟
لا أحد يعلم من أين جاءت لائحة الوزير بتلك البدع التشريعية الا اننا نعلم جميعا ان المتأسلمين نجحوا في اختراق حاجز القانون و أدغموا افكارهم في احكامه من خلال هذه اللائحة وهذا كان هدفهم من ايام بيان المناصحة الشهير في التسعينات و فشلوا في جولات متعددة الا انهم اخيرا نجحوا في ان يروا فتاويهم تطبق برسم القانون و بأدوات الدولة التنفيذية