منذ عقود من الزمن توقف العالم عن التنقيب في عقائد الناس و اهدار الوقت في ملاحقة كاتب او أديب بسبب عمل فني او ابداعي لان هذا العالم وصل الى قناعة ان المكان المناسب لمناقشة و نقد تلك الممارسات غير الضارة على الناس ومحاكمة اصحابها هي داخل المؤسسات الثقافية وليست داخل اروقة المحاكم لان القضاة ليسوا نقادا ادبيين وليسوا متخصصين في تلك الدهاليز يضيعون اوقاتهم في التعمق في نص ادبي مع ما يمكن ان يحتويه من مجاز وصور بلاغية قد تخرجه عن ظاهره و تجعله نصا مفتوحا لكل الاحتمالات و تتحول وظيفة القضاة من تطبيق القانون و التعمق في نصوصها الى وظيفة ناقد ادبي بهدف التأكد من ان كاتب النص كفر او لم يكفر و الذي هو في الحقيقة أمرٌ لا يهم أحدا يدب على هذا الكوكب فهي معلومة لا ينفع العلم بها و لا يضر الجهل بها و في نهاية المطاف ستكون محاكمة النوايا امام العزيز الحكيم الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور اما البشر فهم مكلفون بالاخذ بالظاهر و استحضار حسن النية و براءة الذمة ؛ لان المؤسسات القضائية اذا فتحت الابواب لهذا النوع من القضايا فان ذلك سيشغلها عن التفرغ لعملها الاساسي في ملاحقة المجرمين ولصوص المال العام و الارهابيين و المحرضين على العنف والكراهية لان تلك الفئة هي التي تشكل الخطر الاكبر على الدولة والمجتمع لا قصيدة عابرة في ديوان او خواطر قيلت في صالون ثقافي مغلق بجدران اسميته تجمّع خلفها مجموعة من المثقفين يتسامرون باحاديث الفكر والثقافة والتي عادة لا تقتل بشراً ولا تؤذي احدا فلم نسمع ان قصيدة فجرت مسجدا او مجمعا سكنيا او قتلت شيخا او أمرأة او طفلا بريئا فالقصائد و الروايات والأعمال الادبية ليست اداة من ادوات القتل والارهاب
لذلك تفطن المشرع السعودي لهذه القصة و رسم طريقا للتعامل مع الحالات الثقافية التي قد يكون فيه شبهة مخالفة القانون حيث جعل نظرها ابتداء من خلال لجنة قضائية في وزارة الاعلام تضم اناسا من اهل الخبرة في هذا المجال ومتى ما رأت ان فيها مخالفة قانونية تستوجب المساءلة الجنائية فإن اللجنة في هذه الحالة ترفع بذلك لوزير الاعلام الذي يرفع بدوره الامر برمته الى الملك الذي يمثل المرجع الاعلى للسلطات و الذي يملك وحده دون غيره وبإرادته المنفردة ؛ آلية التعاطي مع تلك الحالة ، وأي خروج عن هذه الشكلية التي رسمها القانون الصادر من المؤسسة التشريعية في الدولة فإن ذلك يعد مخالفة جوهرية تبطل أي اجراء يترتب على تلك المخالفة وهذا هو الفهم البسيط لفكرة سيادة القانون واحترام نصوصه وأحكامه من قبل الكافة؛ مؤسسات و افراد فالدول الحديثة لا تؤسس على ازدواج تشريعي وانما هناك قانون واحد يحكم الجميع بعيدا عن الرؤى و الاعتقادات الشخصية