في الحقيقة كنت سعيداً جداً بالمقطع الذي أنزله يوسف الأحمد بشأن المعتقلين على ذمة قضايا أمنية و لم يخضعوا إلى محاكمة و بالمخالفة لأحكام نظام الاجراءات الجزائية ، و رددت ذلك في حسابي على تويتر ، و أكدتُ بأني أتمنى أن يكون كلامه أنطلاقه جادة لإيجاد أرضية مشتركة بين كافة التيارات في السعودية قوامها (الحق ) ، و مبعث سعادتي أن الأحمد تحدث بمنطق قانوني و هو يتقاطع في مجمل كلامه مع دعوات حقوقية كثيرة تطالب بتطبيق أحكام القانون على كافة القضايا دون اسثناء ، كما أنه يمثل عودة عن ذلك الرأي السائد لدى بعض الإسلاميين حول (القانون ) و أنه رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ، و الجميع يتذكر موقفهم من نظام الاجراءات الجزائية و نظام المرافعات الصادر في التسعينيات الميلادية و الذي يعتبر النظام الحالي نسخة مكررة منه ؛ حيث تكالبت القيادات القضائية و الحركية على تجميده فجُمد ، حتى أعيد إصداره من جديد بعد عام ٢٠٠٠ ، و الأمر الآخر ؛ لأن لي تجربة أعتقال سابقة كنت شاهداً فيها على حكايات و قصص مؤلمة ، و مر بي شخصياً اثناء اعتقالي حكايات و قصص هي الآخرى مؤلمة .
قضية المعتقلين على ذمة قضايا الأرهاب تورمت بشكل غير طبيعي قد تسبب آثاراً سلبية على المجتمع و على العدالة في البلد ، و لابد من التعاطي معها بجدية ابتداءً بتطبيق النظام و انتهاءً بسن قانون يحدد الجرائم التي تندرج تحت مسمى الارهاب و العقوبات عليها ، لأنها عندما يكون هناك ( نص ) قانوني يحدد بوضوح السلوك المُجرم و يحدد في المقابل العقوبة على ذلك السلوك مع الالتزام الصارم بنظام الاجراءات الجزائية ؛ فإنه عندها لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه (سجين خارج القانون) على الاطلاق وهو ما فعلته كل الدول التي ضربها الإرهاب ، حيث لم تؤثر حركة مكافحة الجماعات المسلحة على النسيج القانوني لتلك الدول و الضمانات الحقوقية التي كفلتها وثائقها القانونية ، و قد كتبتُ حول هذا الملف عام ٢٠٠٤ مقالاً كان بعنوان : ( مكافحة الارهاب وحقوق الانسان في السعودية ) و نشرته بمعاونة الصديق حسن مصطفى في جريدة السفير اللبنانية ( إن لم تخني الذاكرة المعطوبة ) و اعيد نشره في شبكة راصد ( الرابط في الأسفل) فالاعتقال خارج القانون مرفوض تماماً مهما كانت المسببات ، و هو بالنسبة لي كمهتم بالشأن الحقوقي ؛ أمر لا يقبل الجدل او التبرير.
و حيث ان منطلق الاحمد منطلق قانوني معتمد بشكل أساسي على الوثائق القانونية السارية في الدولة و التي يأتي في مقدمتها نظام الإجراءات الجزائية فإنه يجب أن نسحب نصوصه على كافة المخالفات و الخروقات التي تقوم بها أجهزة الدولة خصوصاً الاجهزة الضبطية بما فيها جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا كان جهاز المباحث لا يحق له الابقاء على المتهم أكثر من اربع و عشرين ساعة فكذلك هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأخرى لا يجوز لها ذلك ، بل لا يجوز لها ولا لأي جهة ضبط ان تمارس القبض او التحقيق او التفتيش دون الرجوع إلى مظلتهم القانونية و التي هي هيئة التحقيق والادعاء العام ، فهيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جهة ضبط لا يجوز لها القبض على المتهم أو ممارسة التحقيق معه او تفتيشه إلا في الحالات الاستثنائية التي نص عليها القانون .
اذا كنا نريد تطبيق القانون و سيادته فيجب ان يكون ذلك على الجميع دون استثناء ، فكما ندين الاعتقالات خارج القانون ؛ فيجب ان ندين في الوقت نفسه التعسف و خرق القانون التي تقوم بها بعض الاجهزة و على رأسها هيئة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و التي كان آخرها قبل يومين حيث أعلن عن مصرع مقيم بسبب مباشر من أعضاء الهيئة و جميعنا يذكر قصة سلمان الحريصي رحمه الله الذي مات بسبب لكمات و ضرب مبرح على الرأس أخرج دماغة بقدرة العزيز الحكيم من أحد عينيه و كل ذلك حدث بينما كان مقيداً بالسلاسل في بيته و بين أهله ، و كل ذلك كان مثبتاً بتقارير من مؤسسات طبية لا تعرف لا القاتل ولا المقتول ، و بما أني ترافعت في تلك القضية فإني اطلعت على كل تفاصيلها و وثائقها المؤلمة و الإجراءات الظالمة التي مرت بتلك الأسرة المنكوبة و عجزنا عن نصرتها و الانتصار لها ، فالقتلة لا زالوا طلاقاء و خرجوا منها تماما كما تخرج الشعرة من العجين ، و لا ريب بأن إراقة الدم أعظم عند الله من أي شيء آخر ، و للاسف كان هناك من يدافع و يستميت في الدفاع عن ممارساتهم و كان من بين المدافعين يوسف الأحمد نفسه ، فأتمنى أن يكون هذا النداء الذي قدمه بشأن ملف المعتقلين بداية لإعادة التوازن ، انطلاقا من حق الإنسان بأن ينام قرير العين آمناً ، على نفسه و أطفاله من زوار الليل و رواد النهار ، يسير في الارض (لا يخشى إلا الله و الذئب على غنمه ) .
أخيراً : عندما نتحدث عن الإنسان فنحن نتحدث عن ذلك الإنسان (المجرد ) الذي وهبه الله الحق بأن يعيش بكرامة ، فلا فرق بين إنسان و آخر ، سواءً كان شيخاً او طالب علم او كاتباً في تويتر او مدوناً عاطلاً لا يدرى ماهو ، فالناس في الحقوق متساوون كأسنان المشط .