قبل عدة أشهر كتبت تدوينة كانت بعنوان ( خرافة دعاوى الحسبة ) نشرتها في مدونتي قبل أن يعدو عليها الإخوة المحتسبين و هي منقوله تحت هذا الرابط في أسفل هذه التدوينة .
و كانت تلك التدوينة عن التكييف القانوني لخرافة ما يسمى بدعاوى الحسبة الذي يحاول البعض ان يخلقه في واقعنا القضائي من أجل أن يخترق القانون و يمرر أهدافه من خلال المؤسسات القضائية و كان المثال هي الدعوى التي تقدم بها يوسف الأحمد ضد وزارة التربية و التعليم بشأن دمج طلاب الصفوف الدنيا ذكوراً و إناثاً و التي أقامها امام ديوان المظالم و نشرت يوم أمس مجموعة من المواقع الحكم الصادر بتلك الدعوى و الذي يقضي برفض الدعوى لانعدام الصفة و يمكن قراءة الحكم كاملاً في هذا الرابط في الاسفل :
و حقيقة بعد قراءتي للحكم ؛ لا زلت غير مستوعب الموقف السلبي الذي قامت به وزارة التربية والتعليم تجاه تلك القضية وإلى هذه اللحظة استغرب موقف الوزارة ممثلة بوزيرها لعدم أخذ الأمر بالجدية الكافية، حيث إن مثل تلك القضايا قد يكون لها أثر كبير على مسيرة الانفتاح إذا لم تعالج بطريقة قانونية حيث أن وزارة التربية والتعليم لم ترد على الدعوى برد موضوعي و قانوني اكتفى وزيرها بأن ارسل خطاباً إلى رئيس الديوان دون أن يكلف القانونيين في إدارته للتصدي لمثل تلك القضية الخطيرة التي تستهدف بشكل خاص فتح ثقب قانوني للمرور من خلاله للتصدي للكثير من مظاهر الانفتاح – القليلة والمحدودة – ولا أعلم ماهو دور الإدارة القانونية في الوزارة إذا لم تكن مهمتها الأولى التصدي لمثل تلك القضايا و إدارتها بشكل قانوني ومهني ، لذا اعتقد أن موقف وزارة التربية والتعليم ممثلة بوزيرها كان موقفاً غير مسئول.
كما أن عدم رد الوزارة – المدعى عليها – على لائحة الدعوى في القضية و عدم التعاطي معها بجدية ينم على عدم انصياع للقضاء الاداري و إضعافاً لهيبته و خرقاً للمبدأ الذي يحاول ديوان المظالم ان يرسخه وهو (سيادة القانون) و أن لا احد فوقه وهي طبيعة عمل القضاء الإداري ؛ حيث يقتص للمواطن من تعدي الجهات الحكومية و يعيد توازن العلاقة ما بين الحكومة – ذات السلطة – و المواطن ، و يضمن في الوقت ذاته عدم استغلال الادارة لتلك السلطة التي يفترض ان تكون موجهة للصالح العام و بالتالي تكون كل قراراتها تحت رقابة القضاء الإداري المتمثل في ديوان المظالم و عليه فإن امتناع وزارة التربية و التعليم من الحضور في تلك القضية – الهامة والحساسة – حضوراً ايجابياً هو امتهان للقضاء وعدم انصياع لسلطته ، و هو بالتالي يخالف كل ما قيل و يقال بالمطالبة من الجهات الحكومية التعاون مع ديوان المظالم و عدم المماطلة في الاستجابة لطلباته ، لأن خلف كل قضية هناك (إنسان ) يعتقد أنه متضرر من إجراء حكومي و لم يذهب إلى القضاء لمجرد النزهة ، و إنما ذهب ليستصرخ العدالة لإنصافه .
أما عن الجانب القانوني فلدي ملاحظات أجملها فيما يلي :
أولاً : السؤال الموجه للمدعي عن ” وجود ابناء له في المرحلة الابتدائية ” لم يكن منتجاً في الدعوى على الإطلاق ، و ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالتكييف القانوني للقضية ؛ فماذا لو كان لدى المدعي أبناء في المرحلة الابتدائية ؟ أو ماذا لو أُعيد رفع الدعوى من جديد من شخص او اشخاص لديهم “مُنتخب ” متكامل في المرحلة الابتدائية ؟ معنى ذلك انه سوف يكون لهم صفة في الدعوى ؟ وهو تكييف بنظري غير سليم لأن محل الدعوى هو : الاعتراض على قرار صادر من وزير التربية بالسماح بتدريس المعلمات للبنين في مدارس البنات ، و هو (قرار عام ) لا يمكن ان يكون محلاً للدعوى على الاطلاق – بناءً على سوابق ديوان المظالم – لأن القرار لا يستهدف مركزاً قانونياً لشخص بعينه فهو اشبه بالقرار اللائحي ، لكن عندما يصدر قرار “تنفيذي” يمس مركز المدعي ؛ هنا يمكن الحديث عن محل للدعوى ، كما لو قامت إدارة التعليم بتطبيق تجربة دمج البنين في مدارس البنات في المدرسة التي يدرس فيها ابناء المدعي في حي السويدي ؛ هنا يختلف الوضع لأنه يصبح له صفة معتبرة ، و عليه ؛ و سداً لتلك الثغرة القانونية ؛ اقترح أن يوضع مدارس معينة لا تطبق فيها فكرة دمج الطلاب في المرحلة الابتدائية و بالتالي يكون هناك خيارات تنعدم معها (الصفة ) ولا يستطيع يوسف الأحمد ولا غيره ان يحرموا غيرهم من اولياء الطلاب من ان يمارس ابناؤهم الحياة الطبيعية للبشر ، و ان كانوا يرون بأن ذلك خطراً على عقائد اطفالهم ، فلهم ان يذهبوا لتلك المدارس “غير المختلطة” فليس لأحد الحق بأن يتحدث بأسم الجميع .
ثانياً: الدائرة القضائية استخدمت المادة الخامسة من نظام المرافعات و التي تنص على : ( تقبل الدعوى من ثلاثة على الأقل من المواطنين في كل ما فيه مصلحة عامة إذ لم يكن في البلد جهة رسمية مسؤولة عن تلك المصلحة) و جاء استخدامها بشكل يشرعن دعوى الحسبة ، و يكيف تلك المادة على أنها من قبيل دعاوى الحسبة المعروفة بالفقه الاسلامي بأنها (الدفاع عن حق من حقوق الله سبحانه و تعالى ) و اعتقد ان ايراد الدائرة للمادة المذكورة لم يكن موفقاً من الناحية القانونية الصرفة ؛ حيث ان المادة إنما وردت في ( نظام المرافعات الشرعية ) وهو النظام الذي يقنن و ينظم تحريك الدعوى المدنية بين الكائنات البشرية ، اي الدعوى التي تكون بين الافراد بصفتهم المدنية ؛ مثل واحد اقترض من شخص مبلغاً من المال ثم سحب عليه ، او قضايا الطلاق و الخلع او كل قضية متصلة بـ (الحياة الدنيا ) لذا فإن استشهاد القاضي بالمادة الخامسة لم يكن استشهاداً موفقاً لأنه كيف تلك المادة على انها دعوى حسبة وهي ليست كذلك ؛ حيث ان المدعين في تلك الدعوى هم يدافعون عن حق لهم ، او حق لأهل هجرتهم او قريتهم او قبيلتهم او أي مجموعة بشرية لها مصالح دنيوية عدى عليها العادون ، من اجل ذلك لابد ان ننظر إلى المقصد و الحكمة التي أرادها المشرع من وضع مثل تلك المادة في النظام الإجرائي المدني ؛ فخلف كل مادة قانونية – خصوصا في القانون المدني – فكرة او مقصد عام تحققه تلك المادة ، يعني ليست القضية مجرد اعتباط ، فالسؤال البسيط لماذا وضعت تلك المادة في نظام المرافعات ؟ و ما المقصود فيها ؟ و ماذا تستهدف؟ تلك المادة – ببساطة- تحمي حقوق و مرافق مجموعة من البشر من ان يعدي عليها شخص او اشخاص او شخص اعتباري ؛ مثل ان يكون هناك ارض مخصصة أن تكون (حديقة ) لهجرة الضَلْفَعَة ثم يأتي شخص ( ما ) فيًقرر ذات صباح ممطر أن (يكشت ) في تلك الأرض المخصصة حديقة لهجرة الضَلْفَعَة ، عندها قرر ذلك الـ (ما ) ان يرفع الأمر لـ(طويل العمر ) التابع له ، بناءً على القاعدة الفلسفية الراسخة ( لزوم نعلم الشيخ بالسالفة ) مع نصيحة ( أخوية ) أن يضمها طويل العمر لأملاكه خدمة للصالح العام ، و السؤال هنا : من هو الشخص الذي يملك الحق القانوني لأن يدافع عن مرفق من مرافق هجرة الضَلْفَعَة من عدوان الـ ( ما ) و طويل العمر ؟ لأنها قانونياً ليست مسجلة بأسم شخص و بالتالي يحق له ان يدافع عنها وانما هي مرفق لمجموعة من البشر يتقاسمون منفعتها ، لذا اوجد المشرع حلاً قانونياً ؛ ان يضع لهم بـ (مجموعهم) صفة بأن يدافعوا عن مرافقهم في ظل عدم وجود جهة ادارية تقف أمام أخونا في الله الـ (ما) و (طويل العمر) و عليه فلهم الحق بـ(مجموعهم )ان يدافعوا عن ذلك المرفق حتى لا تضم إلى أملاك الـ (ما) برسم طويل العمر و ذلك بأن ينتدبوا خمسة منهم يقوموا بذلك العمل بالاصالة عن أنفسهم و بالوكالة عن هجرة الضَلْفَعَة، و على ما سبق فقس ؛ العدوان على مجاري السيول ، و المرافق العامة ، و غيرها ، لكن أولئك الاشخاص عندما يتقدمون بدعوى للوقوف بوجه المتعدي على املاك قريتهم او هجرتهم فهم يدافعون عن (حقهم الدنيوي) تماما كما يدافعون عن شخص انتهك حرمة املاكهم او سرق شيئاً من اموالهم فلا يمكن ان تكون حسبة بالمعنى الشرعي للمصطلح و هو الدفاع عن (حق الله) و هنا تكمن ملاحظتي على تكييف المادة الخامسة من نظام المرافعات الشرعية على انها شرعنة لدعوى حسبة كما جاء في الحكم الذي اصدرته الدائرة لأنه لو تمادينا مع ذلك التكييف فإن ابواباً ستفتح علينا لا قبل لنا بها و سيتجمع محتسبوا معرض الكتاب على ابواب ديوان المظالم في معركة قضائية ولا حسين بن عاقول لها .
لذا من المهم ان يُعْترض على تلك النقطة بالتحديد من قبل الوزارة ، لأنها مدخل لا بد من ردمه قانونياً .
ثالثاً: وردت في لائحة المدعي مفردة انزوت على استحياء في أخر طلبات المدعي يوسف الأحمد و جاء فيها (ومحاسبة المخالف) إلا أن ذلك الطلب لم يرد عليه الحكم ، فماذا عن ذلك الطلب العظيم ؟ لماذا اهملته الدائرة ؟ قد تكون تلك تفاصيل صغيرة عند البعض لكن هي ليست كذلك عندما نتحدث عن رؤية لتطوير الاداء القضائي و فق المعايير المتعارف عليها لإدارة الخصومة القضائية ؛ فأي طلب يقدم لا بد ان يرد عليه حتى و ان كان سخيفاَ فلماذا أهملت الدائرة الرد على ذلك الطلب العظيم الذي تقدم به يوسف الأحمد بأن يحسب من اصدر القرار محل الطعن ؟ كان يفترض بهم في نهاية الحكم الإشارة بأن طلب المحاسبة خارج عن اختصاص الدائرة ولائياً و ان دعاوى محاسبة المسئولين لها الاطر القانونية التي يفترض ان يلتزم بها ، تلك التفاصيل سوف تقدم دروساً عملية للاخ يوسف الاحمد و من معه الذين اعتقدوا بأنه بإمكانهم ان يركبوا القواعد القانونية ليحققوا أهدافهم دون أن يكون عليهم عبئاً ان يلتزموا بأحكامه بل ينعتوه بأنه رجس من عمل الشيطان ، و قديماً قال فقهاؤنا ( الغنم بالغرم و الخراج بالضمان ) .
خرافة دعاوى الحسبة :
رابط الحكم الخاص بدعوى يوسف الاحمد كاملاً