يبدو أن هناك تطوراً ملحوظاً في أداء الأجهزة الحكومية، إذ تجاوزنا البطء في إنجاز المعاملات والتعقيدات البيروقراطية إلى مرحلة اعتداء المسؤول على المراجع بالصفع؛ لأنه تجرأ واعترض على تأخر معاملته! هذا ما حصل لمسن بلغ من العمر (٨٨) عاماً، عندما اشتكى إلى وكيل وزارة تأخر معاملته، فكان الرد من سعادته صفعة على وجهه من دون مراعاة لشيبته ولا لحرمة جسده، الأمر الذي دفع ذلك المسن للتقدم بدعوى قضائية أمام المحكمة الجزائية، وعندما طلب القاضي يمين سعادة الوكيل عرض وكيله (الموظف في الوزارة ذاتها) صلحاً مع ذلك المسن بالتنازل عن الدعوى مقابل مبلغ مئة ألف ريال، ما يرجح صحة الواقعة، لأنه لو كان متيقناً من عدم صحتها لم ينكل عن أداء اليمين التي ستثبت براءته، في ملابسات تقشعر منها أبدان السويين من البشر، نشرتها جريدة «الحياة» في عدد أمس، إذ إن حادثة بهذا الحجم اقتصر النظر فيها على الحق الشخصي للمسن من دون النظر في الحق العام الذي يفترض أن تمثله هيئة التحقيق والادعاء العام بشقه الجنائي العام، إضافة إلى أن الواقعة تعد (إكراهاً باسم الوظيفة العامة) المنصوص عليها في المادة الثانية – الفقرة الثامنة من المرسوم (٤٣) الصادر عام ١٣٧٧هـ، إضافة إلى ما سبق، وبناء على ما جاء في الخبر، فإن من قام بتمثيل سعادة الوكيل في تلك الدعوى هو أحد موظفي وزارته، ما يعني استغلال الوكيل نفوذه الوظيفي وتشغيل موظفي الوزارة الذين يدفع لهم أجراً من المال العام، لحسابه الشخصي، الأمر الذي يدخله في دائرة أحكام الفقرة الأولى من المادة الثانية من المرسوم ذاته، وعليه فهناك جانب جنائي للواقعة يمثل حق الدولة والمجتمع، إضافة إلى المخالفات الإدارية الجنائية، لأن ما حدث – على فرض صحته – يعد تجاوزاً خطراً لا ينبغي السكوت عليه، لأن فيه إهداراً لكرامة الإنسان الذي قدس الله بدنه وحرم الاعتداء عليه أو المساس به، إلا وفق القواعد الشرعية والنظامية.
كما أن الوزير – كما جاء في الخبر – كان على علم بالواقعة ومع هذا لم يتخذ الإجراء القانوني الواجب عليه اتخاذه تجاه الوكيل؛ حماية للوظيفة العامة ونزاهتها، ما يعد قراراً سلبياً يدخله في المساءلة في تلك الواقعة؛ فالوزير هو المسؤول المباشر عن أعمال وزارته التي لا تقتصر على ارتداء البشت وملاحقة كاميرات التصوير ووسائل الإعلام، وإنما هي مسؤولية أوكل بها من الدولة لتقديم الخدمات من خلال الوسائل الإدارية التي ليس من بينها (الصفع) والإهانة.
أتمنى على الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ القانون، والمتمثلة بهيئة التحقيق والادعاء العام، وهيئة مكافحة الفساد، وهيئة حقوق الإنسان، أن تأخذ هذه القضية على محمل الجد وأن تفتح تحقيقاً مع هذا الوكيل ووزيره؛ كي لا نفاجأ بآبائنا أو أجدادنا بعد أن شابت لحاهم يتلقون الصفعات من أصحاب السعادة ولمعالي الذين غرتهم مقاعدهم الوثيرة فتجبروا على المواطن وتنمروا عليه، لأنهم ظنوا في لحظة تورم أنهم فوق القانون وأحكامه.
الجمعة، ١٠ يوليو/ تموز ٢٠١٥