في كل الأنظمة الملكية هناك تقاليد ملكية راسخة لا يجوز المساس بها، أو الاقتراب منها، ويأتي على رأس القائمة شخص الملك، الذي يعبر عن رأس السلطة والعرش، فلا يمكن قبول المساس بذاته والإساءة إليه، وهذه الحصانة تكون لذات الملك في حياته وبعد مماته، وهذا تقليد ملكي متجذر، وهو ما أخذت به الأسرة السعودية المالكة منذ عصر المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في توارث لتلك القيم، حتى أصبحت أعرافاً ملكية لا يجوز المساس بها لأي سبب وتحت أي ذريعة.
جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين لم تكن واعية لتلك القيم، فشنت حملة شعواء على الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد رحيله، استخدمت فيها كل الخسة والدناءة وقلّة المروءة، متسترين بمديح الملك سلمان وكأنه في حاجة إلى نياشينهم، وهو من أمضى في خدمة الدولة أكثر من خمسين عاماً، وله أعمال ومنجزات ناطقة عن تاريخه، ليست بحاجة إلى إخواني مرتزق ليظهرها للناس أو يشيد بها، فكان الرد حازماً وحاسماً من الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن أحال المسيئين إلى التحقيق منتصراً ومعلياً لقيم وتقاليد العرش السعودي على أحلام فئة حزبية، لا ولاء لها إلا لحزبها وقادتهم ومنظريهم، متجردين من كل القيم الإنسانية النبيلة التي اتفق عليها البشر.
الملك سلمان لم يكن وفياً لملك عظيم بحجم الملك عبدالله بن عبدالعزيز فحسب، وإنما كان وفياً لتلك الأعراف الملكية الراسخة، التي لا تجيز الانتقاص أو المساس بالملوك الراحلين تحت أي ذريعة، لأن الحكم الملكي يعد عهداً واحداً يبنى بعضه على بعض، ويواصل كل ملك مسيرة من سبقه، وإن تغيرت التفاصيل إلا أن الاستراتيجية ثابتة لا تتغير.
زعماء الإسلام السياسي لم يدركوا أن الملك سلمان بن عبدالعزيز هو من عاصر كل الملوك الذين اعتلوا العرش في السعودية، وعاصر كذلك الأمراء الكبار الذين اختطفتهم المنية مبكراً، كالأمير سلطان، والأمير نايف عليهما رحمة الله، فكان أقرب الناس إليهم، وورث منهم تلك القيم الملكية الراسخة المتجذرة، التي لا يدركها المتأدلجون الذين يثبتون في كل مرة، وفي كل حادثة أنهم غير قادرين على قراءة المشهد السياسي بشكل جيد، وأنهم يتعاطون مع المتغيرات السياسية بمنطق ساذج ينم عن ضحالة في وعيهم السياسي، وهذه الضحالة والحماقة السياسية هي من أوصلت قادتهم وزعماءهم إلى حبل المشانق.
الجمعة، ٣ يوليو/ تموز ٢٠١٥