لديّ قناعة ترسخت خلال فترة من الزمن ومن خلال أحداث متعددة بأن الإخوة من تيارات الإسلام السياسي لديهم قصور شديد في فهم المتغيرات السياسية وضعف في قراءة الأحداث، لذا تأتي مواقفهم خاطئة وتحملهم دائماً فواتير باهظة، وخير مثال على ذلك وعلى مستوى الجماعات؛ جماعة الإخوان المسلمين التي قرأت الثورة المصرية وما أعقبها من تحولات سياسية في المنطقة قراءة خاطئة، وكانت نتيجة تلك القراءة الساذجة خروج الجماعة من المشهد السياسي.
أما على مستوى شخصيات ومنظري الإسلام السياسي، فأفضل مثال على ذلك الرأي هو أخي سلمان العودة الذي سطع نجمه في بداية التسعينات متزامناً مع أخطر الأزمات التي مرت بالسعودية مع غزو صدام للكويت والاستعانة بالقوات الأجنبية لإخراجه منها وحماية المملكة، يومها اعتقد أخي سلمان بأن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن ذلك الحدث سيعصف بالدولة، إلا أن قراءته كانت خاطئة ودُحر صدام وبقيت الدولة وأفل نجم أبي معاذ ردحاً من الزمن.
وبعد عودته إلى الساحة من جديد بخطاب متغير ومن خلال وسيلة جديدة لم تكن منبراً في مسجد وإنما عبر فضائية كان يحاربها، لكنه دخلها ليخاطب جمهورها الذي يختلف عن جمهور الكاسيت بعد أن قطع الصلة مع جمهوره الأول الذي لم يرضه تنازله عن شخصية الثائر السياسي وارتداؤه عباءة الوعظ الاجتماعي والاهتمام بقضايا تنمية الذات، لكن أبا معاذ لم يعبأ بذلك وواصل مشواره الجديد وابتعد عن كل ما له علاقة بالسياسة، مع أن البلد يومها (من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٤) كانت تشهد حالة استثنائية من الحراك الإصلاحي، ونشطت حركة البيانات السياسية المطلبية، إلا أن أخي سلمان كان بعيداً عنها (تماماً)، وبعد انفجار الثورات العربية اعتقد أبو معاذ بأن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن رياح التغيير قد هبت فأراد أن يكون في مقدمة الجياد فأخرج السياسي المحبوس في داخله، وشارك في إصدار بيان دولة المؤسسات والحقوق، وأصدر كتاب «أسئلة الثورة»، وانحاز لجماعة الإخوان المسلمين التي اعتقد أنها ستكون جزءاً من قواعد اللعبة، إلا أن حساباته هذه المرة كانت خاطئة فخسر الإخوان وتلاشى حلم دولة الخلافة. في آخر ظهور إعلامي لأبي معاذ يتضح أنه تخلى عن النَفَس الثوري، وأصبح يبحث عن قالب جديد يعيده إلى الأضواء، فعاد إلى الحديث عن مشاريع النهضة والكلام الكبير الذي لا يكلف صاحبه موقفاً قد يغضب البعض، وإنما أراد أن يتكلم وفي الوقت نفسه لا يقول شيئاً. وبما أن لشيخي أبي معاذ حق النصيحة فلا أعتقد أنه بقي من العمر ما يكفي لمواصلة القفز على الحبال، فقرار اعتزال العمل السياسي سيكون خياراً موفقاً له لاستغلال ما تبقى من عمره بالعبادة بعيداً عن السياسة ودنسها.
الجمعة، ٢٦ يونيو/ حزيران ٢٠١٥