أخيراً سقطت فكرة ملاءمة إصدار قانون الوحدة الوطنية الذي اقترحه عدد من أعضاء مجلس الشورى، وكانت الأغلبية ضد إصدار مثل هذا النوع من التشريع، والمرعب أن التصويت في الشورى كان على ملاءمة الفكرة وليس على تفاصيل المشروع، وهذا يعني أن أغلبية أعضاء مجلس الشورى لهذه اللحظة لا يعتقدون بخطورة الطائفية المتفشية في البلد وأن الأمر لا يحتاج إلى التدخل التشريعي لإلجام الأصوات الطائفية، بل إن أحدهم صرح بأنه لا يدرك علة التجريم في المشروع الذي يجرّم السلوك الطائفي، وهذا يعني أن هذا العضو لا مشكلة لديه على الإطلاق مع (التمييز)، والتي تعد جريمة في كل أصقاع المعمورة.
تبرير بعض المعارضين للقانون كان بحجة أن فيه تعدياً على النظام الأساسي للحكم، لأن النظام وضع قاعدة تتعلق بهذا الموضوع، وبالتالي لا يجوز مناقشته، وهذا الكلام يفترض أنه صادر من قانوني يدرك طبيعة النظام الأساسي للحكم كوثيقة دستورية؛ فالنظام الأساسي هو نظام دستوري يضع اللبنات الأساسية للدولة، وهي الوظيفة الرئيسية للوثائق الدستورية في كل دول العالم؛ فهو لا يُعنى بالتفاصيل ولا ينتظر منه وضع نص جنائي، فلا يمكن تصور دستور فيه نص جنائي يحدد عقوبة معينة على سلوك معين، لأنه ببساطة ليست مهمته ولا وظيفته، وإنما هي مهمة ووظيفة الأنظمة العادية الأقل درجة التي تصدرها المؤسسة التشريعية في الدولة، والذي يعد مجلس الشورى شريكاً فيها وأحد أعضائه، هذا القانوني الذي لم يدرك أبسط المسلّمات القانونية ولم يعِ بعد دوره تحت قبة الشورى والهدف من تعيينه فيه.
عندما يؤكد النظام الأساسي للحكم الصادر من الملك الذي هو مرجع السلطات في المادة (١٢) على أن «تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام»، فهو يرسخ مبدأ دستورياً يجب على مؤسسات الدولة أن تترجمه إلى واقع من خلال التشريعات والممارسات الحكومية، فالنص الدستوري السابق لم يحدد (كيف) تعزز الوحدة الوطنية، ولا (كيف) تمنع وسائل الفرقة والفتنة والانقسام لأنها ليست مهمته، فهو لا يعنى بالتفاصيل وإنما يعنى بوضع القواعد والأسس الدستورية التي يفترض أن تبنى وتؤسس عليها التشريعات التي تصدرها المؤسسة التشريعية في البلد.
الحقيقة الصادمة التي نحاول الالتفاف عليها والهروب منها هي أننا أمام مشكلة متجذرة لا تتوقف فقط عند الغلاة ومناصريهم، بل هي ضاربة في جذور الأرض، وإن كل الأصوات التي تخرج منادية بالتعايش ونبذ الطائفية وتجريمها لا تمثل الأغلبية الصامتة التي تشربت طوال عقود من الزمن هذا السم الزعاف، ولم نفق على حجم الكارثة إلا بعد أن انتشر الداء وعم البلاء، لذا لا بد أن تكون الحلول خارج الصندوق، وأن تكون المعالجة غير تقليدية لأننا نواجه أزمة غير تقليدية قد تعصف بنا جميعاً.
الجمعة، ١٩ يونيو/ حزيران ٢٠١٥