من الدعوات الجميلة التي ترددها الأم دائماً وهي تشيّع ابنها عند خروجه من المنزل متوجهاً إلى مدرسته أو عمله؛ «الله يسخر لك قلوب خلقه». يبدو أن والدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقطت هذه الدعوة وأرسلتها مشرعة إلى السماء، وصادفت ساعة إجابة؛ فسخر الله للرئيس التركي أردوغان قلوب الإخوان المسلمين في الخليج، فهبوا لمناصرته والدفاع عنه وعن سياسة بلده وعن خطاباته ومواقفه حتى وإن بدت متناقضة يخالف أولها آخرها ويعارض بعضها بعضاً، إلا أن إخوان الخليج لا يكلون ولا يملون من الدفاع بحماسة واستبسال لم يصرفوا مثله لدولهم التي ينتمون إليها، حتى إنك لن تفاجأ إذا وجدت اللغة التركية هي اللغة الرسمية في المناشط الفكرية والحركية للمؤسسات التابعة للإخوان، فـ«الأرض تتكلم تركي».
ففي الوقت الذي يشكك بعض المحللين السياسيين التابعين للجماعة في موقف مصر الصريح والواضح من «عاصفة الحزم» ويسوقون صورة نمطية عنها بأنها مترددة لم تحسم أمرها بعد، أو أنها حليف يظهر ما لا يبطن؛ نجد أنهم يبرزون الدور «اللوجستي» لدولة تركيا الشقيقة، الذي يمكن وصفه بكل بساطة بأنه «دور اللادور»، فهو يعتمد على ترسانة من التصريحات الصحافية النارية، والتي بلا ريب كان لها الأثر الأكبر في قلب موازين المعركة على الأرض، فهي لا تقارن بمقاتلات تقصف أو مدفعية تدك مواقع الحوثيين، فعاصفة الحزم كما أنها في حاجة إلى الفرقاطات البحرية التي تؤمن الموانئ اليمنية والطائرات التي تقصف الأهداف العسكرية فهي في حاجة في الوقت ذاته إلى ترسانة من تصريحات صحافية ملتهبة على غرار تصريحات طيب الذكر محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي إبان الغزو الأميركي على العراق، وهذا الدور المحوري والمهم قامت به دولة تركيا الشقيقة بكل اقتدار واحترافية على رغم علاقاتها الحميمية مع نظام الملالي في طهران، وتوجت هذه العلاقة الدافئة بتوقيع ثمانية اتفاقات بين البلدين في الأيام الماضية، بينما طائرات «عاصفة الحزم» تقصف مواقع ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران، ومع ذلك سخر الله للعبد الصالح أردوغان بفضل دعاء الوالدين من يتطوع – قربة إلى الله – للذود عنه وتبرير سياساته التي قد تبدو متناقضة لغير الراسخين في معرفة بواطن الأمور ومآلات السياسية، إذ يأخذ بعضنا تعقيدات السياسية بظاهرية موغلة في السذاجة.
الدولة الذكية هي من تسلك «طريق أردوغان»، إذ تختصر القصة في لافتات ترفع وعبارات تطلق في الهواء، ولا شيء يحدث على الأرض، عندها لست في حاجة إلى أن تصرف أموالاً لتحسين صورة الدولة في الخارج والترويج للبرامج التنموية التي تقوم بها، لأن «الإخوان» في مشارق الأرض ومغاربها سيتولون هذه المهمة احتساباً لله، وكما يقول المثل النجدي «شيء بلاش؛ ربحه بيّن».