أثناء سفري إلى الولايات المتحدة عام ٢٠٠٩، كان السؤال التقليدي الموجه لأي شخص أثناء اللقاء بعد التعرف على اسمه؛ هو سؤال (المهنة) فكنت أجاوب -دائماً- بأنني محامٍ، وفي كل مرة أكتشف أن نطق اسم تلك المهنة يثير لدى الشخص السائل (نَزَّة)؛ وهي حال شبيهة بحالة الانبهار والمفاجأة.
واستمرت تلك الحالة تتكرر مع كل من أقابلهم من دون أن أعرف سبب تلك (النَزَّة)، إلا أنني لم أتعمق في البحث عن أسبابها؛ لأن في أعماقي كنت سعيداً بها، وسعيد بأن تثير مهنتي الإعجاب، لذلك وبعد أن أخذت على هذا الوضع تطورت الحالة إلى أن بدأت استدعي (النَزَّة) عن طريق المبادرة بالتبرع بالإفصاح عن مهنتي بمجرد إلقاء التحية على أي شخص، وحشر (مهنتي) المحاماة بطريقة تعسفية في أي حديث أو حوار عابر، حتى ولو كان نقاشاً عن تكنيك إنتاج البن في البرازيل؛ للوصول إلى تلك النشوة «الطاووسية» من خلال تعابير الإعجاب والتقدير التي أجدها على وجوه من أقابلهم، من دون أن أعلم سببها.
بعد تطور الحالة، كان لابد من أن أسأل الشباب السعودي الضليع بالمجتمع الأميركي وثقافته؛ لأعرف سبب تلك الحالة التي تغشى الناس هنا لمجرد سماعهم كلمة «محامي»، فوجدت أن سبب تقدير الأميركيين لمهنة المحاماة هي أن من ينجح في الحصول على رخصة ممارسة المهنة يكون قد تجاوز العديد من المعايير الصارمة والاختبارات المعقدة التي من الصعوبة تجاوزها لمن لا يملك قدرات عقلية خارقة واستثنائية؛ ابتداء من الدراسة القانونية التي لا تكون متاحة إلا بعد الحصول على شهادة جامعية، وبعد اجتياز اختبار لغوي معقد، ثم فترة التدريب والتقويم بعد التخرج، ثم اجتياز اختبارات النقابة المهنية الصارمة، بعد تلك الإجراءات تحصل على رخصة ممارسة المحاماة على الأراضي الأميركية ويسمح لك بأن تقف أمام المنصة، من أجل ذلك كان المحامون هم النخبة في المجتمع الأميركي، وهي المهنة التي أفرزت العديد من القيادات الأميركية في العصر الحديث والقديم؛ لذا فهم يعتقدون بأنني بمجرد أن أصبحت محامياً يفترض أنني مررت بإجراءات شبيهة بتلك الإجراءات، ومن ثم فهم يفترضون أيضاً أنهم يقفون أمام شخص غير عادي، فتغشاهم بسبب ذلك تلك (النَزَّة).
ولا يعلمون أنه في إحدى الدول الإسلامية تم منح رخصة محاماة لأحد الكائنات الحية، الذي كان يشغل عميداً لكلية التربية، من دون أن يدرس في حياته مادة قانونية واحدة، ولا يملك أي حرج أو تأنيب ضمير أن يصف نفسه بأنه محامٍ مساوٍ تماماً لزميله الأميركي، والفرق فقط في الخصوصية الثقافية.