يأتي أحدهم في وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، وقد وضع شعار داعش في معرفه، ثم يمضي ليلته منظراً لتلك الجماعة الإرهابية، ومسوقاً لجرائمها ومجرميها، شاهراً سيفه لمواجهة من ينتقد إجرامها أو يشكك في شرعية أعمالها.
أما في النهار فيعتمر قبعة الحقوقي الحريص على قيم التسامح في الحوار، والخائف على مصادرة الحريات، والقلق من تنامي ظاهرة إقصاء الآخر، والمطالب دائماً بتشريع أبواب حرية الرأي والتعبير.
وبطبيعة الحال فإن السياسة النهارية لذلك الناشط الداعشي لا تختلف جذرياً عن السياسة الليلية، وإنما الفارق فقط في التكتيك؛ فهو في النهار يحاول أن يخفف الضغط على خلايا جماعته، وتسويق أدبيات الجماعة والتصالح معها، وجعلها أدبيات سائدة لا تثير الفزع الاجتماعي، ويستخدم في ذلك أدوات مدنية حديثة، وهي المفردات الحقوقية التي أصبحت شائعة هذه الأيام، ولاسيما لدى الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي.
آخر صرعات تلك المفردات أو اللافتات -إن صح التعبير-، هي ترديد جملة «استعداء السلطة» بشكل ببغائي، إذ ترفع في وجه أي شخص يتصدى لمن يمجِّد الإرهاب ويسوّق لجماعاته، فيتهمونه بشكل آلي بأنه يستعدي السلطة على ذلك الإرهابي المسكين المغلوب على أمره، ويدعو إلى اعتقاله وسجنه، ثم ينتقل المشهد إلى خطوة أكثر درامية بأن يتباكى على حرية الرأي والتعبير، وإن استدعى الأمر فلن يتأخر في اقتباس مقولة فولتير «إنني اختلف مع كل كلمة تقولها، لكنني سأدافع حتى الموت في أن تقول ما تريد».
في هذه الحركة الماكرة؛ يريد الناشط الداعشي أن يجذر فكرة شريرة؛ مفادها بأن تمجيد الإرهاب هو عمل داخل في نطاق حرية الرأي، حتى وإن كنا نختلف معه، ويدغدغ بذلك مشاعر الرومانسيين من الحقوقيين؛ فتتشكل كتلة دفاعية عن ذلك الفكر الإرهابي بسياج حقوقي، قوامه أدبيات وقيم حقوق الإنسان الطاهرة، التي لا علاقة لها بذلك الفكر على الإطلاق، من دون أن يعي من يردد تلك العبارة بأن استعداء السلطة لا يكون دائماً عملاً سيئاً، وإنما هو في حالات كثيرة واجب بمرتبة فرض عين؛ فلا يمكن تصور أننا لا نستعدي السلطة على اعتقال تجار المخدرات أو متعهدي حفلات الدعارة، ولاسيما من يجاهر منهم ببضاعته عياناً أمام الناس؛ لأنهم ببساطة خارجون على القانون، ويجب توقيفهم ومحاكمتهم وفق القواعد القانونية السارية في الدولة، وهذا ينطبق -تماماً- على من يجرؤ على تمجيد جماعة هي إرهابية (بحكم القانون) ويصف أفرادها بالمجاهدين، فهذه الفصيلة من البشر يجب استعداء السلطات القانونية في الدولة عليهم وهذا جوهر فكرة سيادة القانون.
المشكلة ليست مع أولئك الإرهابيين أو مع من يدعمهم من الإرهابيين الصامتين، وإنما المشكلة الحقيقية بأن حيلهم باتت تنطلي على الكثير من الشباب؛ فأصبحوا لا يفرقون بين حوار حول شرعية جماعة داعش الإرهابية، والحوار حول شرعيـــة تغطية وجه المرأة، وأصبحوا ضحية لعملية كبيرة لـ«تبييـــض» وجه الجماعة من دون أن يعوا ذلك.