(المشلح ) أو ( البشت ) هو تلك العباءة الرجالية السحرية ، القادرة على فتح مغاليق كل شيء تقريباً في السعودية ، و هي تلك التي تعطيك سُلطةٌ تعجز النصوص القانونية مجتمعة ان تمنحك أياها ، انه ببساطة اشبه ببساط الريح حيث يحلق بك في مغامرات سبيدرمان ، و يخلق منك شيئاً مختلفاً، وخلقاً آخر ؛ حيث تُنكر نفسك و انت ترى صورتك بذلك الرداء العجيب .
شخصياً ؛ لم أجرب ارتداءه إلا مرة واحدة ، عندما ذهبتُ مع بعض الأصدقاء للسلام على الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد خروجنا من السجن و بعد توليه الحكم ، يومها أحسَستُ برغبة ملحة بالطيران و كأن البشت يمنحك (جوااانح ) على قولة اخواننا في شركة سعودي اوجيه ، عندها التمست العذر لبعض المسئولين الذين تجدهم في الأماكن العامة أو المصالح الحكومية و قد وضع البشت على يده ليوصل رسالة للعابرين و العابرات أنه رجل مهم جداً لكنكم لا تعلمون ، أن ذلك الرداء يعبث بالجين الخاص بالعظمة في مخ الإنسان ليعطيه شعور بأنه كائن مختلف قدره أن يولد في الفضاء لأنه من سلالة غرندايزر.
و بما أن البشت يمنح مرتديه سُلْطة دون عناء ، لا لشيء إلا لأنه كان يملك مبلغاً يكفي لأن يشتري واحداً و لو كان نص عمر أو مستعمل استعمال خفيف ، أو كان محظوظاً و كان له صديق يماثله في المقاس و يملك مشلحاً فيقترضه منه سويعة من نهار، من أجل ذلك استغل الأخوة المحتسبين رمزية البشت الممزوجة بالمتيسر من اللحية و حيث ينتج عن تلك التركيبة ( شيخ قوي جداً) في الذهنية التقليدية ، فبدأوا يمارسون السلطة من خلال المشالح السحرية ، و ممارسة بث الرعب من خلال ذلك الرداء الأسود المهيب الذي اصبح كالبزة العسكرية في كثير من الاحيان، لذا نجد من خلال المقطع اليوتيوبي أعلاه؛ بأن ذلك الرجل صاحب المشلح يتحدث عن سُلْطة البشت وهيبته وشيئاً من المبررت القانونية لشرعية ارتداءه و التي مَثّل لها بأن تكون خطيباً أو نحوه ، و (نحوه ) تلك ؛ يدخل فيها كل الوظائف الرسمية وغير الرسمية للاخوة رجال الدين في السعودية ابتداءً من المؤذن وانتهاءً بعاقد الانكحة مروراً طبعاً بـ : الامامة والخطابة والرقية والحسبة و الوعظ والافتاء و القضاء و كتابة العدل و الانشاد و تفسير الاحلام و تخليص المعاملات العالقة في المحاكم الشرعية و ممارسة الطب الشعبي .
و بما أن هناك دعوات متكررة حول التقنين في كافة الشئون الحياتية في هذه الأيام ؛ فأعتقد بأن الوقت قد حان لإصدار (قانون البشت ) حيث يحدد الالية القانونية لأستخدامه ، و من هم المخولون قانونياً بارتداءه ، و تحديد طبقات اصحاب المشالح بحيث تكون السلطة متوازية ؛ فكلما علت طبقتك البشتية ؛ علت سلطتك على الأرض ، و عكسه بعكسه ، كما أن القانون لابد أن ينص على وجوب اصدار تصريح رسمي يحمله من يرتدي بشتاً على الأراضي الخاضعة للسيادة السعودية ؛ بأحقيته بارتداءه و يكتب فيه ( يسمح للمذكور أعلاه بارتداء بشت من فئة أ) و يكون (زري ) البشت هو المعيار لمدى أهمية مرتديه ، حيث لا تختلط البشوت علينا ، فمن كان من الكبار كان زري مشلحه عريضاً و من كان دون ذلك كان زري مشلحه بقدره، يعني أشبه ما يكون بالرتب العسكرية التي يحملها العساكر على أكتافهم “ الزري هي المنطقة المذهبة على أطراف المشلح “.
و بناء على ما سبق ؛ وحيث أن الاخوة المحتسبين يستغلون البشت لممارسة السلطة خارج السلطة ، فإنه لابد من تقنين عملهم من خلال (قانون البشت) بحيث تكون هناك تحديد واضح وصريح لطبقات المحتسبين ؛ حيث يُنص على درجاتهم وهي : ( محتسب) و (مساعد محتسب ) و (مُعَزْز محتسب) بحيث لا يجوز للاخير ارتداء البشت ، لأن وظيفته مجرد تقديم خدمات لوجستية لا تدخل في صميم العمل الاحتسابي ، فهو ذلك الكائن الذي يقوم بعمل (العجئة الاحتسابية ) و هي تلك التي تسبق وصول المحتسب و مساعدوه لأرض الاحتساب ، بحيث يصيح بصوت يسمعه العامة : (جاء الشيخ … جاء الشيخ ) او يقف في وجه من يحاول ان يرد على الشيخ المحتسب بأن يكفهر في وجهه ويقول الكلمة الخالدة ( ترد على الشيخ ؟ ) او يردد ( صادق … صادق ) بعد كل مقطع وعظي احتسابي من المحتسب أو مساعدوه ، و نحوها من اسرار العمل الاحتسابي .
و لابد أن يكون تصريح ارتداء البشت محدداً بمدة بحيث يتم تجديده بعد التأكد من استمرار الأهلية التي على أساسها مُنح التصريح ، فلو حَلََق لحيته ، أو اطال إزاره ؛ فإن كتفاه لا تستحق ذلك الرداء العظيم نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، و كذا لو سقطت أهليته الشرعية بأن عارض بعض الفتاوى السائدة ، أو تصدى للافتاء في مسائل تخدم المشروع التغريبي الشرير في البلد ، أما إن كان من دعاة سحق الجماجم فهو الوحيد الذي له الحق بأن يرتدي ما يشاء من المشالح ؛ بعضها فوق بعض ، نسأل الله الكريم من فضله .
و من يثبت ارتداءه للبشت بعد أنتهاء سريان التصريح فإن عقوبته أن يصادر البشت ، و يُلزم المخالف بحضور جلسات مناصحة مركزة يقيمها ابو يارا ؛ عبدالله بن بخيت ، كما أن بعض المناوئين لمشروع الحسبة العظيم يقترح أن يكتب على بشت المحتسب من الخلف و بخط واضح مقروء باللغتين العربية والانجليزية : ( ابتعد مائة متر ؛ مُحْتسب في الداخل ) .
أعتقد أنه بمجرد سن ذلك القانون العظيم سينتهي الصداع الموسمي مع جماعة : (المحتسبون في الأرض) بحيث يتم تكبيلهم بنصوص تُقنن استخدام ذلك القماش الذي منحهم السلطة لأن يعدوا على حريات الناس و يخترقوا خصوصياتهم و يمارسوا أعمالاً تدخل في صميم عمل أجهزة الدولة ثم يأتون يتباكون على عدم منحهم سلطة لأن يبطشوا بالناس ، تماماً كما صنع أخوة يوسف من قبل .