من أعظم الابتلاء الذي قد يصاب به ابن آدم; أن يلتقط بريده الإلكتروني أو رقم هاتفه بعض كتاب الرأي أو مقدمي البرامج التلفزيونية، الذين يبالغون (قليلا) في تسويق مقالاتهم أو برامجهم أو حتى مداخلاتهم في البرامج، خصوصا تلك التي تكون في قنوات فضائية خارج التغطية الاجتماعية وخارطة المشاهدة للإنسان البسيط، فما إن ينوي أحدهم كتابة مقال أو عمل مداخلة متلفزة أو مسموعة حتى يدشن حملة منظمة للترويج للمقال الموعود الذي مازال نطفة لم يخرج من رحم صاحبه، ولا تقل تلك الحملات ضراوة عن حملات الترشيح في سباق الرئاسة الأمريكية، وتكون أولى مراحل الحملة مع قرب بزوغ النسخة الأولى من الجريدة أو بداية شارة البرنامج، وهي المرحلة الموسومة بـ (ترقبوا) حيث التبشير بالمقال أو البرنامج وتسريب شيء منه من باب التشويق وجذب الانتباه، ثم تبدأ مرحلة (التعميم) وذلك بعد إتمام عملية النشر أو البث بإرسال رابط البرنامج أو المقال (التحفة) بكل الصيغ الإلكترونية التي أوجدها البشر منذ اختراع ما يسمى بالكمبيوتر إلى يومنا هذا، بحيث يستحيل معه أن يقول أي آدمي يدب على هذه البسيطة، إنه لم يستطع فتح الرابط أو لم يجد برنامجا يمكنه فتحه، وبعد ذلك تصل الحملة إلى ذروتها بالوصول إلى مرحلة (المساجلات) أو مايحب بعض عرابي هذه الفصيلة تسميتها بالمكاشفات؛ بأن يوغل في إغراق بريدك أو هاتفك بردود الأفعال، وماقاله البشر حول العالم عن المقال أو البرنامج، ويتبعه في اليوم التالي برده على الردود، لينتهي الأسبوع وتبدأ حملة جديدة لمقال جديد، وتصبح أسيرا لمتابعة نتاج ذلك الكاتب أو ذلك المذيع الذي جعل من نفسه بداية التاريخ ونهايته.
وإن قدر الله عليك أن التقيت أحد أولئك الكتّاب في مخبز تميس أو في دائرة حكومية؛ فسيتطور الأمر إلى أن يفتنك ويستجوبك عن مقالاته السابقة، ومارأيك في مقال كذا وكذا في جريدة كذا وكذا. وعليه فلابد أن تُعد للسؤال جوابا صوابا، وتحفظ مقالات ذلك الكاتب الهمام عن ظهر قلب حتى تكون مثقفا وطنيا شريفاً.
ونصيحتي لمن ابتلي بأحدهم أن يتوسل للعزيز الحكيم أن يعتقه من ذلك الأسر، وأن يبحث عمن يتوسط له عنده حتى يعتقه لوجه الله تعالى، أو أن تضع لهم بريدا خاصا و خط هاتف لا يعلمه إلا هم، لأنك إن لم تفعل فسيذهب عمرك عليك حسرات وستضيع أيامك في المتابعة القسرية لما كتبه فلان بن فلان وردود الخلق عليه، عندها يتلاشى هذا الكون ومجراته، وينحصر حراكه في نتاج جمجمة ذلك الكاتب العظيم.