جريدة أم القرى هي الجريدة الرسمية للدولة والتي نادرا ما يعرفها أحد سوى أصحاب المعاملات الحكومية التي تستوجب الأنظمة نشر بعض الإقرارات أو الوثائق في الجريدة، إلا أن المهمة الأساسية للجريدة الرسمية في كل دولة هي؛ نشر القوانين والقرارات الحكومية
حتى تكتسب الصفة القانونية ويتحقق علم الكافة بها، وبمجرد نشرها في الجريدة الرسمية تعتبر تلك القوانين واللوائح منتجة لأثارها القانونية حيث نصّت المادة الحادية والسبعون من النظام الأساسي للحكم على: (تنشر الأنظمة في الجريدة الرسمية وتكون نافذة المفعول من تاريخ نشرها ما لم ينصّ على تاريخ آخر) وغالبا ما تحدد الأنظمة موعدا لسريان النظام يبدأ من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (أم القرى) ولا يعتد من الناحية القانونية بأي وسيلة للنشر سوى الجريدة الرسمية التي حددها القانون حتى ولو نشر في كل الجرائد وأذاعه التلفزيون والراديو لأنها الوسيلة التي حددتها القواعد القانونية.
لذا فجريدة أم القرى هي الوعاء لكل الوثائق القانونية التي تنظم الشؤون القانونية في الدولة؛ فعند البحث عن أي وثيقة أو قرار أو قانون فإن أم القرى هي الهدف الأول لكل باحث حتى يستخرج المادة التي يبحث عنها أو المعلومة التي يريدها, ومع هذه الأهمية الكبيرة للجريدة (الرسمية) للدولة إلا أن وضعها متخشب عند فترة ما قبل التقنية وابتكار الأجهزة الالكترونية الحديثة ولازالت إدارتها منغمسة في البيروقراطية التي لا يمكن أن تنسجم والمكانة القانونية لهذه المؤسسة؛ وبمجرد مرور عابر على موقعها على الانترنت يمكن أن تكتشف إلى أي حد بلغ التهميش لهذه المؤسسة وإلى أي مدى بلغت الغيبوبة التي تعيشها في عالم ما بعد (الملف العلاقي) و(الصادر والوارد) ولك أن تتصور أن الاشتراك في الجريدة لابد له من زيارة (شخصية) لمقر الصحيفة أو وكالة لمن ينوب عنك في تنفيذ ذلك الإجراء (الخطير!!) المتمثل في طلب الاشتراك، وأن يكون بخطاب مكتوب وممهور بتوقيعك وكأنك تتقدم بطلب استخراج حصر ورثة أو صك إعسار من أحد المكاتب القضائية، أما إن أجبرتك ظروف بحثك أو قضية بين يديك على الحصول على عدد معين من الجريدة؛ فإنك ستدخل في دوامة من الإجراءات تبدأ بمكتبها في مدينتك إن كان لها مكتب وتنتهي بالمكتب الرئيسي بمكة المكرمة، ومعاملة (رقم وتاريخ) وملاحقة خلف إجراءات عفا عليها الزمن، وكل ذلك من أجل التأكد من قرار أو قانون هل تم نشره أو لا ومتى تم نشره في الجريدة، وهي النقطة الابتدائية التي ينطلق منها أي محام يواجه بقانون أو بوثيقة يستلزم القانون نشرها في الجريدة الرسمية.
وحتى لو تحصلت على الأعداد التي تريدها فإن عليك تصفحها والبحث فيها يدويا لتبحث عن المادة التي تريد ولك أن تتصور أن تقلب أعداد سنة كاملة لتبحث عن تاريخ نشر قرار ما في صحيفة جافة ورسمية كصحيفة أم القرى، وكم من الوقت والجهد ستبذله في الوقت الذي كان بالإمكان لو كان لدى إدارة الصحيفة والوزارة التي تتبعها أن توفر أرشيفا الكترونيا يستطيع فريق من الطلاب في أقسام البرمجة في جامعاتنا أن ينجزه في مدة وجيزة فالموضوع لا يحتاج إلى تعقيدات الكترونية أو برمجية وإنما فقط يحتاج إلى مسئول يعي أننا نعيش عصر التقنية والمعلومة وأن يستشعر المسئولية.
مأساة الجريدة الرسمية للدولة توضع بجلاء أننا لازلنا مسكونين بحجب المعلومة وعدم تسهيل تداولها حتى ولو كانت تلك المعلومة يوجب القانون نشرها، لذا لازال بعض مسئولينا مغرمين بتلك الجملة السحرية (سري) التي يصدرون بها خطاباتهم؛ لأسباب يرونها أو يتوهمونها ، لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الأسباب والتوهمات حقيقية وإنما غالبا ما تكون مبنية على قاعدة (من خاف سلم).