ابتداء لابد من التأكيد على أن مناقشة الأداء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين (الحزب الحاكم في مصر) لا يعتبر شأناً مصرياً فحسب وإنما يشاركهم في الاهتمام به الجميع، لأنه متعلق بجماعة عابرة للقارات والحدود،
ومؤسسة دينية تطرح نفسها على أنها جماعة للأمة التي لا تعتد بالحدود وبالتالي فإن تقييم أدائها في الحكم ومقارنته مع أطروحات رموزها ومواقفها وقت أن كانت في المعارضة؛ هو حق مشروع للجميع خصوصاً وأن هناك من يحاول أن يسوّق لتلك التجربة في بقية الدول العربية على أنها الترياق الشافي من كل العلل السياسية والاقتصادية والاجتماعية تماماً كما أن الحبة السوداء يمكن أن تكون علاجاً لكل شيء كما يقول لنا الأطباء الشعبيون.
وأجد نفسي مضطراً لهذه المقدمة لأن البعض من جماعة (أحب الإخوان ولستُ منهم) يحاولون إرهاب كل من يتجرأ على قداسة الجماعة أو يحدث نفسه بتلك الكبيرة وملاحقته وإسقاطه اجتماعيا من خلال وضعهم في قوالب (مجهزة مسبقاً) والتي يتفنن الإسلاميون في سكبها لخصومهم لاغتيالهم معنوياً وإرهابهم وقمعهم، في الوقت الذي يتباكون على الحرية وينددون بالاستبداد والمستبدين في الأرض، وفي آخر اليوم ينامون ملء جفونهم دون الإحساس بتأنيب الضمير عن كل ذلك التناقض والتخبط.
بعد قرارات الرئيس المصري محمد مرسي لم أكن أتصور أن يتجرأ أحد على التصدي لتبريرها والدفاع عن حالة (القمع المؤقت) لأن تلك القرارات ببساطة تهدم كل أسس الدولة التي كانت الجماعة تبشر بها حيث سيادة القانون من استقلال القضاء ودولة الدستور والإيمان بقيم الديمقراطية التي جاءت الجماعة إلى السلطة من خلال صناديقها، إلا أنني تفاجأت بتطوع بعض المثقفين من جماعة (أحب الإخوان ولست منهم) بالدفاع عنها وشرعنتها وتبريرها وأنها جاءت استجابة للظروف التي تمر بها الدولة، تماماً كما كان سلفهم يقول ذات يوم (لا صوت يعلو فوق صوت الحركة) فهم يقولون إنهم في معركة ضروس مع من يطلقون عليهم (الفلول) وهو المصطلح الذي يصمون به كل من يتجرأ على أن يقف أمام مشروعهم في ابتلاع الدولة والمجتمع، أو يتجرأ بأن يجاهر بنقدهم أو نقد رموزهم – والعياذ بالله – وبطبيعة الحال فإنه وفي ظل هذه المعركة لا يمكن الحديث عن حريات أو حقوق لأنه ممكن أن ينفذ من خلالها أولئك الفلول (الأشباح) ليعبثوا بمقدرات الثورة التي سجلوها رسميا لجماعة الإخوان المسلمين فقد تم إدغام الثورة بالإخوان والإخوان بالثورة، وكل القيم الأساسية للديمقراطية التي آمنوا بها تأتي في مرتبة متأخرة فالأولوية هي تثبيت أقدام الجماعة في السلطة والإمساك بتلابيبها.
قد تتفهم استماتة كوادر الإخوان المسلمين في الدفاع عن قرارات جماعتهم لأنهم في النهاية يدافعون عن أنفسهم، لكن الذي لا يمكن فهمه هو موقف مثقفي وكتَّاب (أحب الإخوان ولست منهم) الذين يتحركون وفق مد (الجماهير) وجزرهم، دون أن يكون له لون أو طعم أو رائحة، حيث يمارسون أبشع أنواع القمع لكل من يختلف معهم أو مع جماعات الإسلام السياسي أو أن يكون له رأي مختلف عن رأي القطيع، لذا فإن حرية الرأي والتعبير كما أن السلطة السياسية يمكن أن تصادرها؛ فإن سلطة الجماهير هي الأخرى قد تمارس الأمر ذاته وتصادر حق الإنسان في الرأي والتعبير، لكننا لم نتعود أن ندينها أو أن نندد بها لأننا اكتشفنا بعد موجات ما يسمى بالربيع العربي أننا بارعون في رفع اللافتات دون أن يكون لنا القدرة أن ننزلها على الأرض، فنحن نمارس مع من نختلف معه كل ما ننعى به على السلطة السياسية.
الثورات العربية لم تسقط أنظمة سياسية فحسب وإنما أسقطت شعارات براقة ورموزاً فكرية امتهنت بيع الدجل والوهم ممن كانت يوماً من الدهر تتغنى بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فما أن لاح لها بريق العرش حتى تنكرت لكل ذلك وأضحى تاريخاً تذروه الرياح.