قبل عدة سنوات تمت مناقشة نظام المؤسسات الأهلية الذي كان يستهدف تنظيم أنشطة مؤسسات المجتمع المدني والعمل التطوعي، وقام مجلس الشورى يومها بمناقشات ومداولات مطولة حول النظام وكان لبعض المهتمين بالعمل المدني مشاركات نقدية للنظام في بعض أوجه القصور…
… التي يقترحون تعديلها، وبعد تلك الزوبعة اختفى النظام تماماً وأصبح (فص ملح وداب) وتم وضعه في (درجٍ ما) وأحكم إقفاله جيداً دون أن يعلم أحد؛ من الذي أدخله في الدرج وما هي الأسباب التي أدت إلى دخول ذلك النظام في تلك الغيبوبة، مع أننا نتحدث عن نظام يعتبر من الأنظمة المحورية في أي دولة حديثة فهو ينظم مؤسسات النفع العام التي هي الأداة القانونية التي يستطيع المواطن أن يشارك في خدمة وطنه ومجتمعه ويحس من خلالها أنه لاعب أساسي داخل المستطيل الأخضر ولا مشجعاً في المدرجات.
أعتقد أننا الآن في أمس الحاجة لقانون ينظم العمل التطوعي الذي حصرناه في مجالات معينة وضيقنا نطاقه حتى أصبح محصوراً في فئة معينة وأعمال محددة لم تعد تفي باحتياجات مجتمع متطلع للمشاركة في الشأن العام من خلال مؤسسات مدنية حقيقية، تمارس دورها في تقديم خدماتها التطوعية في كل المجالات والتي لا يمكن للحكومة مهما بلغت من التنظيم ووفرة الموارد أن تقوم بدور تلك المؤسسات الأهلية.
إن إيجاد أرضية قانونية لقيام مؤسسات أهلية مستقلة سيساهم في احتواء الحراك المتنامي في (العالم الافتراضي) ويعيد ضخ ذلك الحراك بشكل إيجابي في المجتمع الحقيقي وتتاح الفرصة للعقول الواعدة لأن تجد لها الآلية الشرعية لأن تجسد أفكارها وطموحاتها بشكل ملموس؛ فهناك شباب لديهم روح المبادرة ويمتلكون أفكاراً خلاقة لخدمة المجتمع لكنهم غير قادرين على تجسيد تلك الأفكار على الأرض بسبب الفراغ التشريعي الذي حرمهم من أن ينظموا أنفسهم وجهودهم من خلال مؤسسة أهلية ينظمها القانون وتشرف عليها الدولة وفق نصوص قانونية واضحة تضمن لها استقلاليتها وحريتها في الحركة ما لم تخرق القانون الذي ينظم نشاطها.
(الميدان يا حميدان) هي الرسالة التي سيبعثها نظام الجمعيات الأهلية في حالة إقراره وسيضع نشطاء الإنترنت أمام التحدي الحقيقي؛ فالعمل التطوعي على الأرض يختلف اختلافاً كبيراً عن النشاط الإنترنتي فالعمل على الأرض يعني أن هناك جهداً بدنياً سيبذل وأن وقاتاً ستحبس لتلك الأنشطة، بخلاف النشاط الإنترنتي الذي قد لا يكلف سوى مجموعة من التغريدات في تويتر والمشاركة في اشتاقاته الساخنة ويتميز بأنه يمكن أن تمارسه بينما تشاهد مباراة كرة القدم أو أثناء ممارسة (التعسيل) فمن مميزاته أنه لا يحتاج سوى يد واحدة تمسك بجهاز الهاتف وتمارس بها النضال بينما تتفرغ اليد الأخرى للامساك بلي الشيشة.
التشريعات والقوانين يفترض أن تتكيف مع حركة المجتمع والدولة بحيث تستوعب كل التغيرات التي قد تطرأ عليهما وتلك المهمة تنوء بها المؤسسة المسؤولة عن التشريع التي لابد أن تدرك أن هناك تغيرات قد طرأت على المجتمع وبالتالي لابد أن يواكب تلك التغيرات مرونة وتحديث في القوانين حتى لا يصل بنا الأمر إلى أن نجد تشريعاتنا وقد أصابها التكلس والجمود عندها يفقد النص القانوني قدرتها على التأثير لأنه وصل مرحلة (التخشب) لذا فقبل أن نتخشب لابد من مراجعة المنظومة القانونية وتحديثها وسد الثغرات التشريعية ويأتي على رأسها نظام الجمعيات الأهلية الذي يعطي للجميع فرصة لأن يشارك ويتحرك في خدمة وطنه وفق القانون.