مع أن نظام المحاماة كانت نصوصه عامة ومجردة تشمل الرجل والمرأة ولم يجعل النظام (الجنس) شرطاً لممارسة المحاماة وبالتالي كان منع المرأة من ممارسة المحاماة رأياً مخالفاً للقانون،
إلا أنه ومع ذلك كله فإن القرار الصادر أخيراً بتمكين المرأة من استخراج رخصة محاماة قرار موفق يستحق الإشادة؛ لأنه أعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي وأخرجنا من دوائر (اللّت والعجن) التي سرقت أعمارنا وعطلت حراك المجتمع الطبيعية.
وعلى إيجابية هذا القرار فإنه لا بد من التنبه واليقظة من الالتفاف عليه وتعطيله من إخلال الاشتراطات والضوابط والقيود التي يتفنن البعض في خلقها لخنق أي قرار وتكبيله؛ لأن هذا القرار جاء ليصحح وضعاً لم يكن سليماً ويعيد الأمر إلى مساره القانوني وأتمنى ألا يخرج لنا أحد العباقرة بضرورة أن يصحب المحامية ولي أمرها في المحكمة أو لدى جهات التحقيق ويرافقها في مرافعاتها القضائية ويوقّع على محاضر الجلسات بدلاً عنها بصفته (محرم سعادة المحامية) لأننا عندها سنخرج عن المسار القانوني والطبيعي ونعود أدراجنا لنقطة الصفر مرة أخرى.
ومعنى أن تمنح المرأة رخصة محاماة هو أن تمنحها حرية الحركة والتقاءها بعملاء مكتبها لمناقشة قضاياهم وتقديم الاستشارات القانونية لهم أسوة بزميلها المحامي الرجل، لأنه لا يتصوّر أن المحامية لو كان موكلها رجلاً أو كان شركة وممثلها رجل؛ أن تجتمع معه عبر دوائر البث التلفزيونية أو عبر أثير (سكايب) لأن طبيعة مهنتها تقتضي النقاش المباشر وتفحص الأوراق والمستندات مع عملائها ومناقشة تفاصيل قضاياهم وهذا من أبجديات عمل المحامي في هذا الكوكب، بيد أن بعض الجماعة المسكونين بفوبيا الاختلاط وملحقاتها لن يدعوها وشأنها، بل سينشطون كعادتهم مع كل قرار له علاقة بعمل المرأة ويتحركون لإجهاضه أو تعطيله، لأن مثل تلك القرارات تضخ فيهم جذوة حماس وتزيد من لياقتهم المتجددة دوماً في مصارعة طواحين الهواء.
ويضاف إلى ضرورة إعطاء المحامية حرية الحركة في مكتبها؛ ضرورة إعطائها أيضاً حرية الحركة في المؤسسات الحكومية والمرافق العدلية لممارسة عملها من حيث عدم تقييد عملها في الاطلاع على ملفات قضاياها في المحاكم وجهات التحقيق وتمكينها من الدفاع عن موكليها بكل الوسائل المتاحة نظاماً دون تمييز, فمركزها القانوني مساو تماماً للمحامي الرجل.
و التحدي الأهم أمام وزارة العدل بعد قرار السماح للنساء باستخراج رخصة محاماة؛ هو وضع برامج تدريب للمحاميات الجدد في ظل تضاؤل فرصهن في التدريب العملي في مكاتب المحاماة القائمة لاعتبارات لا تخفى على الجميع, لذا فمن واجب الإدارة العامة للمحاماة التحرك لإيجاد مثل تلك البرامج التدريبية لدمج المحامية في العملية العدلية واكتسابها خبرات عملية , وفي الوقت نفسه تدريب (المتحفظين) في المؤسسات العدلية على التكيّف مع الوافد الجديد وتعويد إسماعهم على مفردة (محامية) وهي تتردد في أروقة المحاكم وتدون في محاضر الجلسات.
وتبقى المهمة الأصعب لدى النساء الطامحات في دخول دهاليز المحاماة أن يثبتن قدرتهن المهنية وأن يحاربن في سبيل عدم إجهاض القرار أو تفريغه من محتواه لأن الهجوم عليه هذه المرة لن يكون سهلاً؛ فهو يُمكِّن المرأة من ممارسة مهنة تعطيها القدرة لأن تكون (قوية) بالقانون ومتمكنة من أدواته والتي من خلالها تستطيع أن تذود عن حقوقها وهو ما لا يريده بعض فصائل البشر الذين لا يريدونها كائناً قوياً، بل ضعيفة خانعة مغيَّبة عن حقوقها بعيدة عن أدواة القوة التي تستطيع بها مجابهة تمردهم عليها، فأولئك المَرَدَة من الإنس سيجابهون القرار كما جابه إسلافهم قرار تعليم المرأة، لأنهم يعتقدون أن ترويض امرأة جاهلة أسهل من المرأة المتعلمة والأمر نفسه مع المرأة المشتغلة بالقانون والتي لن تكون سهلة الانقياد لمن يريدها أن تعيش كـ (حاشية) بعيدة عن النص.