كثير من العادات الاجتماعية وعبر عقود من الزمن تحولت من عادة إلى جزء أصيل من الدين وبني عليها أحكام فقهية ثم أصبحت من قواعد الشريعة؛ قطعية الدلالة قطعية الثبوت لا يمكن مناقشتها بأي شكل من الأشكال كما أن الاقتراب منها ومحاولة المساس بها أو التساؤل حولها سيجعلك تستحق وشاح (المحارب للدين) و(عميل الغرب) من الدرجة الأولى ولعل أبرز تلك العادات التي تحولت بقدرة قادر إلى مسلمات ما يسمى بالولاية على المرأة والتي بني عليها مجموعة من الأحكام المدنية التي سلبت من المرأة قدرتها على التحرك كإنسان راشد مكلف عن أعماله فلا يجوز لها السفر إلا بإذن السيد الولي ولا تلتحق بوظيفة إلا بإمضاء السيد الولي حتى التعليم لا يمكن أن تلتحق بمقاعده إلا بعد أن يأذن ولي المرأة وإن كان مزاجه متعكرا في ذلك الوقت فستمضي حياتها في ظلمة الجهل لأن وليها أراد ذلك، حتى أعضاؤها وجسدها مرتبط بالولي فلا يمكن أن تتعالج إلا بعد بصمة يمهرها السيد الولي على نموذج العلاج أو إجراء العملية، مع أن فكرة ولاية الرجل على المرأة لم تكن مطبقة بهذه الحدة في المملكة قبل عدة عقود من الزمن فهي غريبة عن النظام القانوني للمملكة، إلا أنها مع الزمن ترسخت حتى غدت بهذا الشكل الذي نراه والذي تعاني منه الكثير من السيدات كل يوم واللاتي تسلط عليهن أولياء أمورهن وسلبوهن كل مقومات الحياة حتى أصبحن مجرد قطعة جامدة من ديكور المنزل يتحسرن على أعمارهن وهن يرقبنه يتلاشى أمام أعينهن وهن يعلمن بأن الحياة لا يمكن أن يعيشها المرء مرتين.
كل رجل يقاتل دفاعا عن مفهوم الولاية على المرأة إنما يدافع عن نفسه وعن سلطته ويعجن دفاعاته بالدين حتى يسوقها على الناس أما في الواقع الشرعي فلا يوجد سند شرعي لأي من تلك الممارسات التي تتم تحت اسم الولاية على المرأة لأن الولاية لا تكون إلا على الصبي والسفيه والمحجور عليه هكذا يقول لنا الفقه والمرأة إنسان راشد كلفها الله بالعبادات ولها ذمة مالية مستقلة ولها من الحرية ما للرجل دون تمييز ولا يتصور أن الشريعة التي سمحت للمرأة بإدارة أموالها التي قد تصل إلى مئات الملايين أو أكثر وتشغل آلاف البشر بمن فيهم الرجال وتمنعها من التنقل والسفر إلا بعد موافقة وليها الرجل؟ وكذلك السيدة التي تتقلد منصبا وظيفيا أو الدكتورة التي تشرف على آلاف المرضى بمن فيهم (الأولياء الرجال) ومع ذلك يحتاجون لـ(بصمة) السيد الولي؟ لأن أحكام الشريعة جاءت متناغمة غير متناقضة أو متباينة يعضد بعضها بعضا وتحمل كلها على المقاصد العليا لهذا الدين الذي كرم المرأة ورفع منزلتها بعد أن كانت في هوان الجاهلية وذلته.
أما ما يسوقه البعض من عجن (القوامة) بما يسمى بالولاية فهو خلط ينم عن عدم إدراك لمقاصد الشريعة ولا فهم النصوص؛ فالقوامة هي أن يكون الزوج أو الأب قائما على شأن المرأة وخدمتها وذلك راجع لطبيعة المرأة وهو معنى إيجابي إذا استحضرنا أن الإسلام أعلى من شأن المرأة وكرمها وهذا لا يعني أن تكون المرأة تحت رحمة القائم على أمرها والذي أصبح بين عشية وضحاها وليا يملك مقاليد حياتها ومستقبلها.