كلمة (مناضل) لها جرس ساحر أخاذ، تعشقه الأذان وتطرب له في كل مكان من هذا العالم، إلا أن له طابعا خاصا في عالمنا العربي، إذ إنه وصف لا يتقلده ولا يحظى به سوى المعارضين السياسيين فقط، هذا ما رسخته مجاميع ما يسمون بالناشطين السياسيين سواء كانت قومية أو يسارية أو دينية في المخيلة الاجتماعية، فهم لا يرون نضالا يستحق الإشادة والتكريم إلا النضال ضد الأنظمة السياسية وفق رؤية كل فصيل وضمن أجندتهم السياسية، فمتى التزمت بتلك الأجندة وروجتها فسيمنحونك ذلك الوشاح بكل سخاء، لكن تقلدك له يبقى مرهونا بمدى التزامك الحرفي بخط الجماعة السياسي ومتى ما حدت عنه قيد أنملة فسيخلعون عنك وشاح النضال ويلبسونك وشاح الخيانة والعمالة إلى آخر تلك الأوصاف التي يخلقونها ليرموا بها مخالفيهم.
هكذا تم أدلجة مصطلح مناضل بكل ما له من دلالات اجتماعية احتفائية، والهدف من ذلك هو تقزيم أي نشاط اجتماعي عدا النشاط السياسي، فلا يمكن مثلا أن تسمع من يصف مفكرا أو مثقفا أو كاتبا أمضى حياته في مجابهة الظلام والجهل والتكفير وفضح وتعرية جماعات الإسلام السياسي أو المتاجرين بالدين، لأن تلك الأعمال لا يعدها (الحقوقيون) نضالا يستحق الإشادة لأنها أنشطة هامشية على حد زعمهم، بل يرون فيها إلهاء الشعب عن أم المعارك التي اختزلوها في المعارضة ومناكفة الأنظمة السياسية فقط، ويرون وجوب الاحتشاد خلفهم في تلك المعركة بنفس الطريقة والنمط والآلية التي يحددونها، فلا يمكن لك أن تشيد بمنجز للدولة أو بقرار للحكومة أو تدافع عن مؤسسة حكومية لأن ذلك سيجرح النرجسية النضالية، فالمناضل خلق ليعترض بغض النظر عن مسببات اعتراضه لأنه ليس مطالبا بتسبيب معارضته، المهم أن يقول (لا) بملء فيه.
01/08/2016