المهمة التي من أجلها أنشئت دور الحماية التابعة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية هي حماية المعنفة من مُعنِّفها وتقديم المعونة القانونية والاجتماعية لها، إلا أن تلك المهمة انقلبت في ظل وجود بعض الموظفين والموظفات البيروقراطيين، إلى دار لمعاقبة المعنفة والضغط عليها، فلم تصبح المعنفة ضحية لسلوك إجرامي من أحد ذويها، وإنما أصبحت مجرمة تستحق الحبس في مبانٍ أشبه ما تكون بالسجون وتطبق فيها معايير لا تقل صرامة عن المعايير المطبقة في الإصلاحيات ودور التوقيف، فبعيداً عن الأسوار العالية لتلك الدور، نجد تضييقا على النزيلة المعنفة في التواصل مع العالم الخارجي، وكأنها رهن التوقيف، والتضييق عليها بالخروج من تلك الأسوار الأسمنتية الخانقة، والهدف هو الضغط على المعنفة للاستسلام والرضوخ لمعنفها والعودة إلى منزلها والتعايش مع الإيذاء الجسدي والمعنوي، لأن هذا هو أحد أهداف بعض المسؤولين عن دور الإيواء، حيث يهدف إلى إقناع الفتاة المعنفة بالعودة ومحاولة التواصل مع ذويها المتورطين في جريمة التعنيف لردم الهوة والتوسط بالطريقة التقليدية البالية، مع هذا ليس دوره ولا وظيفته وإنما دوره ينحصر في تقديم الرعاية الإنسانية الكاملة لضحية التعنيف، وتحريك الإجراءات القانونية ضد المتورطين بالعنف أمام الجهات القضائية المختصة وفقا لنظام الحماية من الإيذاء، فلا يمكن تمكين المجرم المتورط بالعنف من الإفلات من العدالة وردم تلك القضايا تحت ركام بيروقراطية معجونة بأعراف بالية مكّنت المجرم من التباهي بجرائمه وتكرارها دون حسيب أو رقيب.
من واجب الوزارة أن تعين المعنفة على التقدم بدعاوى قضائية ضد معنفيها سواء مدنية من خلال نزع ولايتهم عليها أو جزائية من خلال الأنظمة الجنائية التي تجرم العنف والتي سنتها الدولة حماية للمرأة وليست مجرد نصوص قانونية تزين بها الوزارة موقعها الإلكتروني وتعلقها على جدران مسؤوليها في مكاتبهم الفارهة.
عندما تهرب فتاة إلى دار الإيواء فهي تحتمي بالدولة التي التزمت لكل مواطنيها بحماية أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، فلا يجوز للوزارة التي وكلت لها الدولة القيام بحماية النساء من العنف أن تنحاز للجاني ضد الضحية، بل لا بد أن توصل رسالة واضحة لكل مجرم انتهك حرمة جسد المرأة الطاهر بأن مجرد اتصال الضحية برقم الحماية ستبدأ عملية قانونية وقضائية ضده تودعه في النهاية في أحد زنازين السجون في المملكة، وأن تبقي ذلك الرقم كالشبح المخيف لكل من تسوّل له نفسه استخدام سلطته على المرأة لإيذائها وانتهاك كرامتها، ولا أعتقد أن شيئا من ذلك سيحدث في ظل وجود قيادات في الحماية الاجتماعية مازالت غير مدركة لوظيفتها والهدف من تنصيبها في ذلك المكان من الوزارة.