لقد رأينا من ينحر الأنعام لنجاة من يسمونه بالخليفة، ورأينا داعية يدبج القصائد مدحا لذلك الخليفة، بينما لم نجد ذلك الداعية يكتب بيتا واحدا لدولته وقادتها التي في عنقه بيعه لهم، بل إنه لما أراد أن يكتب قصيدة فيهم توجه للهجاء والقذف فنال من عرض امرأة شريفة قبل عدة سنوات وسجن على إثرها وأقيم عليه حد القذف، فالمدح والثناء للسيد أردوغان بينما الهجاء لقومه وأبناء وطنه.
كل من شارك في تلك التظاهرة التمجيدية للسيد أردوغان ليلة الخامس عشر من يوليو لم نجد فيهم حماسا لوطنهم ولا لمشاريعهم التنموية، وإنما كان حظ وطنهم من نشاطهم هو خلق حالة من التذمر والسخط في الشارع لتسخينه ضد الدولة.
لقد رأينا أولئك المتظاهرين أنفسهم يتجمعون تحت لافتة «فكوا العاني» للدفاع عن مدانين بالإرهاب والتحريض على أجهزة الأمن ورجاله ورأيناهم يتظاهرون من أجل سلب المرأة حقها في العمل وحريتها في التنقل ولم نرهم فاعلين متحمسين بنفس المقدار الذي كانوا عليه بعد محاولة الانقلاب الفاشل على خليفتهم في قضايا الإرهاب الذي ضرب وطنهم، وبجولة سريعة على معرفاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي يتبين أنهم في عزلة لا شعورية، فأجسادهم هنا وقلوبهم هناك، حيث موطن الخلافة المرتقبة.
كما أنهم لم يكتفوا بالصمت في قضايا الوطن وإنما حاربوا وشهّروا بكل وطني شريف رفع لواء الدفاع عن بلده وحكومته في المملكة، حيث خلقوا لهم ألقاباً يعرونهم بها كان أحدها (الليبروجاميين) وهو وصف عادة ما يطلقه الإخوان المسلمون وأتباعهم على من يمتدح عملا من أعمال الحكومة أو مؤسسة من مؤسساتها، بينما هم يمارسون الأمر نفسه لكن لصالح دولة أجنبية لا تمت لهم بصلة، فهم ثوار في أوطانهم موالون مطبلون في بلاد الخليفة.
وليت الأمر توقف على التطبيل وحفلات الزار وإنما وصل الجنون الحزبي إلى أنهم يصنفون أبناء بلدهم وشركاءهم في الوطن على موقفهم من الخليفة وحزبه، فيعادون ويخونون كل من يتجرأ وينتقد سياسته، فلك أن تتصور أن يكون معيار الشرف والنضال على أساس موقفك من قضية خارج حدود وطنك وعلى أساسها تُوالي أو تُعادي!!
أعتقد أن ما حدث لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار لأنها ظاهرة بالغة الخطورة على أمننا القومي لاسيما وأن معظم المشاركين في تلك الحفلة يتقلدون مناصب تعليمية وأكاديمية، فإذا كان هذا طرحهم في العلانية وأمام الناس فكيف سيكون طرحهم أمام طلابهم في الغرف المغلقة.