قدمت وزارة العدل رؤيتها الإستراتيجية عن تطوير الأداء القضائي ضمن برنامج التحول الوطني (2020) وساقت جملة من الأهداف المتوخى تحقيقها في نهاية البرنامج، وكان أحد تلك الأهداف تقليص عدد الجلسات القضائية إلى خمس جلسات، وهذا باعتقادي أمر غير منطقي على الإطلاق ولا يمكن لأي شخص له علاقة بالقضاء أن يقتنع به. فلو افترضنا أن هناك دعوى قضائية قدمت إلى المحكمة فإن الجلسة الأولى ستكون لسماع الدعوى، والثانية لسماع الإجابة (الدعوى صحيحة أو لا)، ثم تكون الثالثة لطلب البينات من المدعي الذي يطلب جلسة رابعة لإحضارها، وتكون الجلسة الخامسة للرد عليها من قبل المدعى عليه، وإذا كانت البينة شهودا فتكون الجلسة السادسة لإحضار الطعن على الشهود أو إثبات عدم عدالتهم هذا إذا لم يكن للمدعى عليه شهود نفي، ويطلب جلسة سابعة لإحضارهم، وتكون الجلسة الثامنة للرد على فحوى شهادتهم أو الطعن بهم، هذا إذا استبعدنا اعتذار أحد أطراف الدعوى عن حضور إحدى الجلسات بسبب إصابته بالتهاب في الحالب، أو غياب القاضي لتمتعه بإجازته العادية أو العارضة، أو ارتباطه بدورة تدريبية، أو ضرورة مخاطبة جهة إدارية لاستعلام عن أمر له علاقة بالدعوى، أو طلب تصحيح وكالة أحد أطراف الدعوى، أو طلب حضور الأصيل لأداء اليمين أو رفع الجلسة لعدم تبليغ المدعى عليه تبليغا صحيحا لشخصه.
وزارة العدل وبرنامج التحول
وذلك السيناريو الذي ذكرته في سير دعوى افتراضية في قضية متوسطة التعقيد على مثاليته، إلا أنه لا يمكن تحققه على الإطلاق بناء على سير الإجراءات القضائية الحالية، ومع ذلك لم يتوافق ورؤية وزارة العدل المعلن في برنامج التحول.
باعتقادي أن اعتماد وزارة العدل لمعيار (الجلسات القضائية) وتقليصها كهدف لتحسين جودة الأداء القضائي؛ معيار غير دقيق لأنني كمترافع لا يهمني عدد الجلسات بقدر ما يهمني أن تكون كل جلسة منتجة وذات فائدة ولا تنقضي في أعمال هامشية، وذلك لن يتحقق إلا إذا انفرد القاضي في إدارة الخصومة وألا يتركها لأطراف الدعوى يديرونها ويكون دوره فقط في استلام المذكرات وضبطتها وإنما بعد سماع الدعوى والإجابة يتفحص القاضي الأوراق، وفي كل جلسة يأتي هو بطلبات للخصوم عن مستندات معينة أو طلب الإجابة عن دفع منتج في الدعوى من واقع مذكرات الخصوم، وبالتالي يسيطر على الدعوى وينهي المماطلة ويحسمها في أقل مدة ممكنة دون الإخلال بحق الدفاع ويقفل باب المرافعة متى ما رأى من خلال دراسته المستمرة للمذكرات وفحصها إن الدعوى جاهزة للفصل فيها لا أن ينتظر الخصوم الذين يحشون ضبوطها بأحاديث لا علاقة لها بالدعوى، وهذا يتطلب التركيز على إيجاد قضاة مؤهلين تأهيلا عاليا في إدارة الخصومة القضائية وعدم الاكتفاء بـ(الكم) وإنما التركيز على (الكيف) من خلال التدريب والتأهيل والمتابعة، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام المؤسسة القضائية للتناغم مع رؤية 2030 وبرنامج التحول 2020.
09/06/2016