من علامات المجتمعات الحية أن تجد فيها نقاشات مجتمعية حادة، وهو دليل على أن المجتمع يعيش حالة من المراجعات المتواصلة ويصحح أخطاءه وينبذ متطرفيه وغلاته، إلا أن هذا الوضع لا يروق لإخوتنا (الإيجابيين) من جماعة (حبوا بعضكم) الذين يقضون يومهم بالحديث عن توزيع الزهور وترديد عبارات التسامح الجوفاء التي يحاولون أن يخدعوا بها أنفسهم ويبرروا عجزهم وجبنهم في اتخاذ موقف علني ضد التطرف الديني، لأنهم غير قادرين على تحمل هجمات الغلاة عليهم، فيبررون موقفهم بأن تلك المعارك هي صراع تيارات لا نريد أن نخوض فيها حتى لا نشظي المجتمع، ويتناولون خطاب التطرف الديني بسذاجة لا ترقى لخطورته على الأمن الاجتماعي ومستقبل الدولة والحراك التنموي فيها.
معارك التغيير الكبرى التي تخوضها الدول والمجتمعات لا يقودها الجبناء، وإنما يخوض غمارها الفرسان القادرون على التضحية بدمائهم وأعراضهم وأوقاتهم، فلو رجعنا بالتاريخ إلى ربع قرن تقريبا عندما غزا صدام حسين الكويت ووقفت جيوشه على تخوم المملكة ،وغرز المتأسلمون خناجر الخيانة واللؤم في خاصرة الوطن؛ وقتها كان هناك فارس قرر أن يخوض عراكا فكريا معهم وهم في أوج جبروتهم وطغيانهم فنازلهم بقلمه عبر زاويته في جريدة الشرق الأوسط (في وجه العاصفة)، وأصدر كتابا مازال يقرأ إلى الآن ردا على شبهاتهم وكان بعنوان (حتى لا تكون فتنة)، ذلك الفارس هو غازي القصيبي الذي كان يسعه أن يتلحف بالصمت ويكون من جماعة (حبوا بعضكم) ويبتعد عن استعداء تيار متنمر يقود الدهماء ويمتلك القدرة على التحريض الاجتماعي وإسقاط خصومه، لكن الفارس غازي لم يرق له حالة الجبن والخور ونزل للميدان ينازل التطرف والتشدد ورموز الظلمة بكل بسالة وشجاعة.
من يوصفون بالإيجابيين والذين لا يريدون الدخول في صراع التيارات -كما يزعمون- لا يتوقفون عن السلبية تجاه قضايا الصراع مع التطرف الديني، بل يطعنون ويوهنون عزيمة من حمل لواء المواجهة مع الغلاة لأنهم يريدون أن يبرروا عجزهم بالنيل ممن شهر قلمه ليدافع عن وطنه ضد أولئك الظلاميين الذين اختطفوا الحياة وسرقوا البسمة من شفاه الناس.
22/05/2016