لا أعتقد بأن أحداً يشكك في أهمية السعودة وتوطين الوظائف والضغط على القطاع الخاص للاستعانة بالكوادر الوطنية بدل العمالة الأجنبية، إلا أن الأهم من ذلك هو إيجاد البيئة القانونية الجيدة التي تضمن علاقة مستقرة ودائمة بين رب العمل والعامل تضمن حقوق الطرفين، وهو الهدف الذي من أجله جاءت فكرة قوانين العمل والوثائق المتصلة بها، إذ أوجدت تلك القوانين من أجل ضبط التوازن بين مصالح أصحاب العمل والعامل، مع الانحياز للجهة الأضعف في هذه العلاقة التعاقدية وهو العامل، بأن أوجدت قواعد قانونية تفضيلية للعامل، نصت عليه قوانين العمل بما فيها قانون العمل السعودي.
وتوازن تلك العلاقة التعاقدية بين العامل ورب العمل من خلال عقود العمل لا تنحصر أهميتها على طرفي العقد فحسب، وإنما تمتد إلى استقرار بيئة العمل وانعكاسه على أداء مؤسسات القطاع الخاص، التي تعد الرافد الأهم في الاقتصاد الوطني، لذا كان من المهم أن يكون لعقد العمل قوة تستشعرها أطرافه، إذ تكون وثيقة مقدسة وليست مجرد ورقة روتينة لا قيمة لها كما يتبادر إلى أذهان الكثيرين من الناس، بل تكون التزماً يحسب له أطرافه حسابات معقدة قبل أن يوقعوا عليه؛ لأنهم يعلمون أنهم في حال الإخلال به؛ فإن آثاراً قانونية ستلاحقهم وتؤثر فيهم في حال أرادوا أن يبرموا عقوداً مشابهة في المستقبل، وهذه الحال لا تكون إلا باستحداث طرق وآليات غير تقليدية من أجل تقوية عقد العمل وضرورة الالتزام به، سواءً من جانب العامل أم رب العمل.
ولا يكتفى فقط بالجانب القضائي لدى مكاتب العمل التي تأخذ في نظر القضايا أعواماً قد لا يكون الكثير مستعداً لتحملها وتحمل ملاحقة إجراءاتها، وإنما لا بد من إجراءات إدارية من وزارة العمل بإيجاد سجل «حقوقي» شبيه بسجل الائتمان لدى شركة سمة على سبيل المثال، ويكون ذلك السجل شاملاً للشركات والمؤسسات والأفراد الذين يشغلِّون السعوديين وغيرهم، وكذلك تشمل أيضاً الموظف الذي يلتحق بتلك المؤسسات والشركات، إذ إن أي إخلال من جانب أطراف العقد تسجل في سجله الحقوقي، سواءً أكان تأخراً في صرف الرواتب أم أحكاماً قضائية من اللجنة العمالية بالنسبة إلى المؤسسات والشركات، في المقابل فإن أي موظف يلتحق بمؤسسة ولا يلقي لعقد العمل الذي وقعه أهمية ويترك العمل بتهور، ومن دون استشعار للمسؤولية فإنه أيضاً تسجل تلك الممارسات في سجله، إذ تستطيع أي مؤسسة تريد الاستعانة بالكوادر الوطنية أن تختار الأنسب من خلال سجله في أعماله السابقة، وهذا الإجراء سيحفز الشباب على استشعار المسؤولية وقيمة العمل والالتزام بالقانون من خلال توقيعه على عقد عمل له فيه حقوق وعليه التزامات، كما أنه سيسهم في الموازنة بين الاندفاع بتوطين الوظائف ومراعاة مصالح القطاع الخاص الذي تمر عليه نماذج من الموظفين غير الأكْفاء، الذي تجد أحدهم يقدم استقالته برسالة جوال لرئيسه وتظل الشركة تلاحقه من أجل تسليم ما تحت يديه من عُهد والتزامات، أو تجده يتغيب عن العمل في وقت ذروة نشاط مؤسسته لمجرد أنه يريد أن يتابع «دربي» مع أصدقائه في الاستراحة من دون أن يعي الكارثة التي قد يتسبب بها على منشأته.
فكرة السجل الحقوقي سواءً أكان لأرباب العمل أم للعامل ستعيد التوازن لمشروع السعودة، وستدفع أبناءنا لأن يَعُوا قيمة العقود القانونية وقيمة الالتزام، وهذا -بحد ذاته- مكسب بالغ الأهمية لا يمكن الحديث عن إصلاح لسوق العمل من دون الاهتمام به من وزارة العمل.
الإثنين، ١١ مايو/ أيار ٢٠١٥ – جريدة الحياة