نشر صاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز بياناً شكك فيه بشرعية قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله بتعيين صاحب السمو الملكي الامير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وليا للعهد بعد شغور المنصب بتقدم صاحب السمو الملكي الامير مقرن بن عبدالعزيز بطلب للملك بإعفائه من المنصب و قبول طلبه من لدن خادم الحرمين الشريفين ، و كذلك قرار تعيين صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليا لولي العهد بعد شغور المنصب و ذلك بعد تعيين الامير محمد بن نايف وليا للعهد ، و ساق الامير طلال بن عبدالعزيز عبارات مبهمة مجملة و مرسلة بلا خطام ودونما تأسيس شرعي و نظامي سليم ، و إنما دلّس بالمتشابه من النصوص دون الالتفات إلى المحكم منها و دون وعي بطبيعة الأنظمة الأساسية (الدستورية) التي تحكم و تنظم تقلّد المناصب السيادية في الحكم و زعم بأن تلك القرارات لا تتفق و القواعد الشرعية دون ان يبين ماهي تلك القواعد الشرعية التي خالفتها القرارات الملكية ، و لاسيما و ان صاحب الفضيلة مفتي المملكة و كبار العلماء كانوا في مقدمة المبايعين للأميرين و يتعذر عقلا ان يتصور أن هؤلاء العلماء الأجلاء الذين اخذ الله عليهم العهد و الميثاق بأن يبينوا الحق للناس و لا يكتموه؛ أن يتمالأوا على ما يخالف الشريعة و أحكامها، كما أن سموه ـ وهو في صدد حديثه عن الشريعة و أحكامهاـ لم يدرك مقاصد الشريعة العظام في جمع الكلمة و وأد الفتنة و الاعتصام بحبل الله المتين و التي هي قواعد شرعية راسخة لا تقبل تأويلا او جدلا ، قامت على أسسها هذه الدولة ، و التزم بها ملوكها من عهد الملك المؤسس إلى هذا العهد الزاهر الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله .
و في قراءة متعمقة لبيان صاحب السمو الامير طلال حول تلك القرارات يتبين بما لا يدعو مجالا للشك بأنه غير مدرك للمنظومة الدستورية التي تحكم انتقال المناصب السيادية بين ابناء الملك المؤسس طيب الله ثراه و احفادهم ، حيث جاء بيانه مركزا على وثيقة قانونية واحدة وهي (نظام هيئة البيعة ) دون ان يعي بقية الوثائق الدستورية الاخرى المتمثلة في ( النظام الأساسي للحكم) و ( الأمر الملكي ذو الرقم ٨٦/أ) الذي أسس لمبدأ دستوري جديد وهو استحداث منصب جديد في مؤسسة العرش السعودية وهو ( ولي ولي العهد) لذات الاسباب التي دعت لإصدار وثيقة (هيئة البيعة ) وهي تأمين الانتقال السلس للسلطة و ضمان استقرار الحكم الذي هو بمثابة استقرار للدولة و المجتمع .
كما أنه من ابسط المسلمات القانونية أنه في حالة إصدار رأي قانوني حول أمر تحكمه مجموعة من الوثائق القانونية السارية في الدولة ؛ فإنه لا يجوز الاتكاء على بعضها دون الاخرى و إنما لابد من حمل بعضها على بعض و استحضار كافة احكامها حتى يكون الرأي متسقا و صحيح القانون و إلا اصبح الرأي معيبا لا يتكيء إلى أرضية قانونية سليمة
ولو تناولنا القرار الخاص بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وليا للعهد ؛ نجد أنه جاء بعد وجود حالة ( خلو ولاية العهد ) تلك الحالة التي نظامها الأمر الملكي الكريم ذو الرقم (٨٦/أ) و تاريخ (٢٦/٠٥/١٤٢٥) البند (ثانياً) و الذي لا يعد مقتصراً على صاحب السمو الملكي الامير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد السابق و إنما يؤسس لقاعدة دستورية عامة و مجردة ، فمتى ما اصبحت ولاية العهد (شاغرة) لأي سبب؛ فإن الملك يعين من يتقلد منصب ولي ولي العهد ؛ ولياً للعهد ، و لاريب أنه بمجرد تقديم صاحب السمو الملكي الامير مقرن بن عبدالعزيز طلب إعفائه من منصب ولي العهد و قبول الملك لذلك الطلب ؛ فإن الحالة التي ذكرتها الفقرة السابقة تكون قد تحققت ، و بالتالي يكون ولي ولي العهد مؤهلاً دستورياً لشغل منصب ولاية العهد و أخذ البيعة على ذلك .
أما فيما يتعلق بمنصب ولي ولي العهد و الاحكام القانونية المتعلقة به فلابد ابتداءً أن نتحدث عن الأداة الدستورية التي خلقت ذلك المنصب و تفاصيل اثارها القانونية ، حيث أن ذلك المنصب أنشأ بأمر ملكي و ( الأمر الملكي) وهي تلك الأداة التي تعبر عن الارادة الملكية المنفردة و التي يمارس من خلالها الملك صلاحياته الواردة في النظام الأساسي للحكم و الأنظمة الأساسية الأخرى بصفته (مرجع السلطات الثلاث) ، و أي قاعدة قانونية تنشأ بموجب (أمر ملكي ) فهي تأخذ الطابع الدستوري ، و تأسيساً على ذلك فأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ استخدم تلك الاداة الدستورية لإصدار نظام هيئة البيعة ولائحته التنفيذية و ذلك بالأمر الملكي رقم (٣٥/أ) و تاريخ (٢٦/٠٩/١٤٢٧) و الأمر الملكي رقم (١٦٤/أ) و تاريخ (٢٦/٠٩/١٤٢٨) و جاء في ديباجة الأمر الملكي الخاص بهيئة البيعة ـ و الذي يعد جزءً لا يتجزأ منه ـ في البند ( ثالثاً) ما نصه : ( تسري أحكام نظام هيئة البيعة على الحالات المستقبيلية ولا تسري أحكامه على الملك وولي العهد الحاليين ) و بالتالي فإن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ كان مستثنى من (كافة) أحكام النظام المذكور الأمر الذي أجاز له الإضافة على النظام مما يتوافق و المقاصد التشريعية من إصداره ، فجاء بناء على ذلك الأمر الملكي ذو الرقم (٨٦/أ) و تاريخ (٢٦/٠٥/١٤٣٥) الذي يعد مكملاً لنظام هيئة البيعة و متمماً له و مؤسساً عليه و الذي استحدث منصباً جديداً وهو ( ولي ولي العهد) و رسم آلية دستورية دقيقة لشغل ذلك المنصب ؛ حيث جاء في البند (رابعاً) من الأمر الملكي سالف الذكر ما نصه : ( دون إخلال بما نصت عليه البنود (أولاً و ثانياً و ثالثاً) من هذا الأمر ، للملك ـ مستقبلاًـ في حال رغبته اختيار ولي لولي العهد أن يعرض من يرشحه لذلك على أعضاء هيئة البيعة ، ويصدر أمر ملكي باختياره بعد موافقة أغلبية أعضاء هيئة البيعة . )
و بتحليل هذا النص المحكم نجد أنه وضع ألية من اربع خطوات متسلسلة لشغل منصب ولي ولي العهد بشكل دستوري يتفق و صريح النظام وهي :
أولاً : يرشح الملك من يراه أهلاً لشغل المنصب و ذلك بإرادته المنفردة متى ما ارتضى ذلك .
ثانيا:يعرض الملك من يرشحه لشغل المنصب على هيئة البيعة .
ثالثا: ان يحوز مرشح الملك على قبول أغلبية أعضاء هيئة البيعة .
رابعاً: صدور أمر ملكي بتسمية من حاز على ترشيح الملك و قبول هيئة البيعة .
و عليه فمتى ما استوفيت تلك الخطوات الأربع ؛ فإن التعيين يكون موافقاً للإجراءات لشكلية (الدستورية ) التي رسمها النظام و يكون القرار و الحالة هذه قراراً شرعياً لا مثلبة نظامية فيه ، و بالرجوع إلى قرار تعيين صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد نجد أنه جاء مستوفياً لكل تلك الاجراءات بتفاصيلها الدقيقة التي جاءت بها احكام النظام ولا يقول بغير ذلك إلا من قلّت بضاعته في فهم نصوص الأنظمة و كان بعيداً عن الأطر و المباديء القانونية المستقرة التي تحكم مفاصل الدولة و أجهزتها و مؤسساتها .
إضافة إلى ما سبق و حيث أن من يعين ولياً لولي العهد يكون مرشحاً مستقبلياً لتولي مقاليد الحكم ، فإن هذا المنصب محكوم بالمادة الخامسة من النظام الاساسي للحكم الفقرة (٢) و التي نصت على : ( يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود و ابناء الابناء ، و يُبايع الاصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ) ولا ريب أن الامير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز تنطبق عليه هذه الفقرة و يكون بذلك مؤهلاً للتدرج في المناصب القيادية في مؤسسة العرش في المملكة و لا سيما و أنه قد تلقى البيعة الخاصة من أفراد الأسرة الحاكمة و أهل الحل و العقد و البيعة العامة من عامة الشعب .
كما أنه لابد أن نشير في هذا السياق و بعد سرد تفاصيل النصوص القانونية المتعلقة بمنصب ولي ولي العهد أن هذا المنصب لم يكن وليداً في هذه الفترة وفي حالة تعيين صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان و إنما سبقته حالتين اكتسبتا شرعية من هيئة البيعة بذات الاجراءات المتخذة في قرار الامير محمد بن سلمان ، و بالتالي فهناك سلوك مطرد شكّل عرفا مستقراً لدى الأسرة الملكية و لم يكن هناك أية اعتراضات على (المبدأ) مما يرسخ شرعية لتلك الاجراءات ، و يمتنها و يكسبها طبيعة الثبات و الاستقرار كعرف دستوري داخل الأسرة الملكية الحاكمة ، و يكون لها ذات الأثر الذي يحدث النص الدستوري المكتوب .
و بالعرض القانوني السابق يتأكد أن بيان صاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز جاء بلا تأصيل قانوني أو رؤية نظامية سليمة بهدف عرقلة المسيرة الميمونة نحو المستقبل بسواعد الجيل الصاعد من خيرة الاسرة الحاكمة التي التقطت الرايه من اسلافها لتواصل مسيرة المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله في تمتين استقرار هذه الدولة و تدشين مرحلة تنموية تتناغم و ظروف المرحلة التي تمر بها الدولة في الداخل و الخارج دون الالتفات إلى الحالمين بأوهام الماضي .
كتبه
المحامي و المستشار القانوني
عبدالرحمن بن محمد اللاحم