لم تكن ليلة الـ34 قراراً ملكياً، التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليلة عادية لدى السعوديين، إذ تمت فيها إعادة تشكلٍ للدولة وأجهزتها ووزرائها، وإعلان رؤية ومسار العهد الجديد من خلال التركيز على الجانب التنموي، والمراهنة على الشباب والزج بهم في مراكز القيادة، إذ أصبحت ثلاث من الحقائب الوزارية من نصيب شباب لم يبلغوا الـ40، في إشارة إلى حركة فتية نحو التطوير ومواجهة الملفات الملحة في الدولة والمجتمع.
لم يكن تصعيد الشباب هو العنوان الوحيد اللافت في القرارات الملكية، وإنما هناك جانب غاية في الأهمية – من وجهة نظري – يتمثل في وأد البيروقراطية، من خلال إلغاء مجموعة من المجالس واللجان المتناثرة، التي كبّلت القرار الحكومي وأسهمت في ترهله، وأعاقت سرعة إصدار العديد من القرارات الحيوية، التي تدخل في نطاق اختصاص تلك اللجان أو بعضها، إذ أصبح القرار الحكومي (كعب داير) بين تلك اللجان بشكل لا يتواءم وفكرة السرعة في الإنجاز، لاسيما في قضايا تنموية لا تحتمل التأخير لعلاقتها المباشرة بالمواطن، أو لارتباطها بجوانب اجتماعية أو اقتصادية،
الأمر الملكي (أ/٦٩) الذي ألغى ١٢ لجنة وهيئة عليا، سبب تلك الخطوة مجموعة من المبررات جاءت في ديباجة الأمر الملكي ومنها:
«وحرصاً منا على رفع كفاءة الأداء ومستوى التنسيق تفادياً للازدواج وتحقيقاً للأهداف المرسومة بما يؤدي إلى تكامل الأدوار والمسؤوليات والاختصاصات، وبما يواكب التطورات والمتغيرات المتسارعة التي طرأت في مختلف المجالات. وانطلاقاً من اختصاص مجلس الوزراء الأصيل في رسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة والإشراف على تنفيذها، وفقاً لما قضت به المادة (19) من نظام مجلس الوزراء الصادر بالأمر الملكي رقم (أ / 13) بتاريخ 3-3- 1414هـ».
فالخطوة جاءت لتعزز الدور المركزي لمجلس الوزارء، المعني قانونياً برسم سياسات الدولة والإشراف على تنفيذها من دون الحاجة إلى الدخول في دوائر لا تنتهي من الروتين المعيق للتطوير ومسايرة المستجدات، والتفاعل معها بسرعة إيقاع العصر.
وانطلاقاً من الفكرة ذاتها وذلك التأسيس، أعتقد أنه من المناسب في هذه المرحلة؛ تحرير الإجراءات المتعلقة بالجوانب التشريعية التي يمارسها مجلس الوزراء، بصفته صاحب الحق الأصيل في رسم سياسات الدولة العامة، وذلك بأن تعاد له الصلاحية الدستورية في الانفراد بإصدار الأنظمة، من دون الرجوع إلى مجلس الشورى، والإبقاء لمجلس الشورى على صلاحية اقتراح تعديل نظام قائم أو اقتراح نظام جديد برفعه إلى رئيس مجلس الوزراء، والهدف من هذه الخطوة هو أن الدولة بحاجة ماسة إلى حزمة من التشريعات الأساسية، التي تعالج جملة من الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والجنائية، تتواكب والرؤية الطموحة التي عكستها القرارات الملكية الأخيرة، فلا بد من أن يكون هناك تناغم ما بين المطبخ التشريعي في الدولة، والحراك الإصلاحي التحديثي، إذ إن القانون هو الذراع الذي تشكل من خلاله الرؤية التطويرية، وهو السياج الذي تُحمى به تلك الإصلاحات وتلك الرؤية من التكلس أو الاندثار، وهذا يحدث عندما لا تستطيع المكينة التشريعية الاستجابة إلى وتيرة التسارع في خطوات التحديث وتتناغم معه بنفس السرعة وبذات الجودة والاحتراف، وهذا لا يتأتى – من وجهة نظري – إلا بإعادة صلاحية إصدار الأنظمة لمجلس الوزراء منفرداً، وتكون إحالتها إلى مجلس الوزراء اختيارياً، لاسيما وأن هيئة الخبراء في مجلس الوزراء تمتلك العديد من العقول القانونية الفذة، التي تمثل نخبة القدرات القانونية الضليعة والمحترفة في صياغة الأنظمة.
نتمنى التوفيق للوزراء الجدد في أعمالهم، وأن يحققوا رؤية الملك في التطوير والتحديث في هذه الدولة التي لا تشيخ.